هل تنجح المحادثات التركية الروسية في إعادة الحياة إلى سلاسل الغذاء العالمية؟
تساهم التحركات الدبلوماسية الحالية في تشكيل مستقبل صادرات الحبوب من موانئ البحر الأسود الأوكرانية وموانئ بحر آزوف الروسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. في غضون ذلك، فإن إعادة هيكلة لوجستيات نقل الحبوب تعقد البيئة الجيو-اقتصادية الدولية في ظل أزمات الأمن الغذائي.
وأدى الصراع الذي اندلع في فبراير/شباط بين منتجي ومصدري الحبوب الرئيسيين في العالم إلى اضطراب كبير في أسواق الحبوب العالمية؛ مما أثار مخاوف بشأن أزمة غذاء عالمية، حيث تعتمد العديد من الدول الأفريقية – مثل مصر والصومال – بشدة على هذه الحبوب.
ولا يعتبر وصول المنتجات الزراعية إلى المستهلك عبر موانئ البحر الأسود وبحر آزوف شيئًا جديدًا، لكن هناك الكثير من النقاش الآن حول كيفية استمرار هذه العملية في خضم الحرب في أوروبا الشرقية.
وتتركز محادثات تركيا وروسيا حاليا على تقاسم المسؤولية عن نقل الشحنات الزراعية من موانئ البحر الأسود وموانئ بحر آزوف. وفي هذا الإطار، جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” إلى تركيا برفقة فريق عسكري بحري؛ لبحث خطط استئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا عبر فتح ممر آمن.
وتعرض أنقرة خدماتها في هذا الصدد في وقت حرج. ولا تعد تركيا عضوا في الناتو فقط لكنها أيضا محاور رئيسي لروسيا في مناطق الصراع الرئيسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقوقاز.
هناك اهتمام عميق بالمقابل الذي ستحصل عليها تركيا من هذه المساعدة، ويرجح أن يشمل ذلك إعلان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” عن عملية عسكرية جديدة في سوريا، في إطار الجهود التركية لإنشاء منطقة آمنة تمكن أنقرة من البدء في إعادة اللاجئين السوريين.
وقبل أيام، قال الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، إن بلاده مستعدة للتنسيق مع تركيا لتسهيل تصدير الحبوب دون عوائق من الموانئ الأوكرانية. وجاءت هذه التصريحات بعد أن أخبر “بوتين” قادة ألمانيا وفرنسا أن روسيا على استعداد لمناقشة طرق استئناف شحنات الحبوب الأوكرانية في الأسبوع المقبل.
وينبغي الإشارة إلى أن الحرب عطلت أيضًا زراعة القمح في أوكرانيا؛ مما سيؤثر على موسم الحصاد التالي. ومن المتوقع أن يصل حصاد القمح الشتوي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية إلى 20.1 مليون طن، بانخفاض عن حوالي 32.2 مليون طن عن العام الماضي.
ومن المحتمل أن تكون إعادة هيكلة عملية شحن الحبوب أكثر استدامة مع التوقعات باستمرار الصراع لفترة طويلة. وبالفعل، تفكر موسكو على المدى الطويل فيما يخص قضايا الأمن الغذائي وتخطط لاستخدام الشركاء الإقليميين لتوزيع حبوبها.
وتتخذ البلدان المستهلكة الآن تدابير استثنائية لحماية أمن الحبوب. على سبيل المثال، طلبت عدة دول من الهند تزويدها بما مجموعه أكثر من 1.5 مليون طن من القمح؛ نتيجة أزمة التصدير من أوكرانيا وروسيا، ومع ذلك، حظرت نيودلهي صادرات القمح بسبب تخوفات متعلقة بتلبية احتياجات السوق المحلي.
في الوقت نفسه، يشهد الاتحاد الأوروبي ارتفاعا كبيرا في أسعار العقود الآجلة لبذور عباد الشمس والذرة والقمح وفول الصويا، فيما يواجه بائعو زيت الصويا انقطاعًا في الإمدادات.
وقد تتكشف بعض الحلول لاستئناف حركة الحبوب مع ظهور نتائج الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي، الأربعاء الماضي في الرياض، والذي جاء قبل أسبوع من الاجتماع التركي الروسي حول دوريات المرافقة البحرية لشحنات القمح.
ومن المؤكد أن تحقيق إجماع بشأن قضية إنفاذ العقوبات على روسيا أمر صعب. وقد تتمكن شركات الشحن العربية من المساعدة في شحن المواد الغذائية، لكن من المحتمل أن ينزعج الأوروبيون كثيرًا مما سيبدو لهم انحيازًا من المنطقة إلى جوار روسيا.
في ظل هذه البيئة المعقدة، تتحرك تركيا وروسيا (بدعم من الدول العربية) لإعادة صياغة عملية نقل الحبوب ولوجستياتها بطريقة آمنة من خلال قوافل بحرية.
وإجمالا، فإن الاضطرابات في سلال الغذاء العالمية فتحت الباب أمام إعادة ترتيب إمدادات هذه المواد وعلى رأسها القمح. وربما تكون الاتهامات بأن روسيا تستخدم الطعام كسلاح صحيحة، لكن هذه الحجة الغربية لا تستطيع الصمود أمام مصالح العديد من الدول. وبالتأكيد، سيكون لإعادة هيكلة إمدادات القمح صدى في الانقسام حول العقوبات المتعلقة بالطاقة.
المصدر | ثيودور كاراسيك/ أوراسيا ريفيو