مقالات

حرب أوكرانيا تشي بنهاي الأحادية الأميركية

يكتب مايك ويتني، وهو كاتب سياسي ومالي يعيش في واشنطن، في موقع eurasiareview عن الدولار الأميركي، وكيف أصبح العملةالمسيطرة في العالم، ويصل إلى المرحلة الحالية والتي بدأ فيها نفوذ الدولار يتراجع، وخصوصاً بعد الحرب الأوكرانية، ويوحي من خلال مقالهأن الأحادية الأميركية بدأت مرحلة التلاشي.. فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

كل دولار أميركي عبارة عن شيك مكتوب على حساب دائن بمقدار 30 تريليون دولار. هذه حقيقة قيمة الدولار خارج الأسطورة المتداولة. وهوإلى حد كبير لا يساوي الورق المطبوع عليه؛ وعبارة عن سند في محيط من الحبر. الشيء الوحيد الذي يمنع الدولار الأميركي من التلاشيفي الأثير، هو ثقة الأشخاص السذج الذين يواصلون قبوله كعملة قانونية.

لكن لماذا يواصل الناس استعمال الدولار بينما عيوبه معروفة للجميع؟ وليس سراً أن الدين القومي الأميركي بلغ 30 تريليون دولار، مع 9 تريليونات دولار تراكمت في الميزانية العمومية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. هذا دين خفي لا يدركه معظم الأميركيون مع أنهم يدفعون ثمنكل ذلك.

بالنظر في كيفية عمل النظام الداعم للدولار من قبل العديد من المؤسسات التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية. التي توفر بيئة لإجراءأطول عملية احتيال وأكثرها فظاعة في التاريخ، تبرر تبادل السلع المصنعة بتكلفة عالية، عبر التحكم بموارد المادة الخام، وأسواق العملالشاق مقابل قسائم الأوراق الخضراء، وسط إقبال متزايد على الوهم. ولا يسع المرء إلا أن يتعجب من عبقرية النخب التي اختلقت هذهالحيلة، المفروضة بالجملة على الجماهير دون أدنى صوت احتجاجي.

بالطبع، النظام الاحتيالي هذا، مصحوباً بآليات تنفيذ متنوعة تعمل على إزاحة أي شخص يحاول التحرر من الدولار بعون الأرض أوالسماء، في محاولة إنشاء نظام بديل تماماً.

يتبادر إلى الذهن صدام حسين، ومعمر القذافي، وتجربتهما كـ “خصمين” في مواجهة الدولار، حيث لقيا الإبادة القاسية، من عملة مدفونةتحت جبل من الديون، لقيمتها الحقيقية تكاد تكون غير معروفة.

لم يكن الأمر هكذا دائماً. كان هناك وقت كان فيه الدولار هو أقوى عملة في العالم واستحق مكانه في القمة. وبعد الحرب العالمية الأولى،كانت الولايات المتحدة “مالكة غالبية ذهب العالم”، ولهذا السبب تقرر دولياً أن عملات العالم لن تكون مرتبطة بالذهب، ولكن يمكن ربطهابالدولار الأميركي، لأن الدولار كان نفسه مرتبط بالذهب.

حين كان الطلب على الذهب كبيراً لدرجة أن الرئيس ريتشارد نيكسون، اضطر للتدخل وفك ارتباط الدولار بالذهب نهاية ستينات القرنالمنصرم. مما أدى إلى أسعار الصرف العائمة الموجودة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم. وعلى الرغم من وجود فترات من التضخم المصحوببالركود ومعدل بطالة مرتفع، ظل الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطية العالمية. مع أن الذهب الأميركي ذهب الآن، وما تبقى هو كومة منالديون المتراكمة.

إذاً، كيف تمكن الدولار بحق من الحفاظ على مكانته كعملة بارزة في العالم؟

سيقول أنصار نظام الدولار إن ذلك يعود إلى حجم وقوة الاقتصاد الأميركي المهيمن على الأسواق المالية. لكن هذا هراء. فالحقيقة هي أنوضع العملة الاحتياطية لا علاقة له بـ “حجم وقوة اقتصاد أميركا ما بعد الصناعي، والموجه نحو الخدمات بالفقاعات نحو العالم الثالث”. كماأنه ليس له علاقة بالسلامة المزعومة لسندات الخزانة الأميركية التي تشكل بجانب الدولار أكبر خدعة في كل العصور، لتسيد الدولار عالمياًعبر حماية كارتلات البنوك المركزية، التي تدير الاحتكارات ملتزمة بتعليمات عصابة صغيرة، ينسقون ويتواطئون في السياسة النقدية من أجلالحفاظ على قبضتهم المهووسة على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي.

إنها مافيا نقدية، عملها التلاعب الدؤوب في أسعار الفائدة كي يبقى الدولار في موقعه الرفيع غير المستحق.

لكن كل هذا على وشك التغيير بسبب سياسة بايدن الخارجية المتهورة، التي تجبر اللاعبين الأساسيين في الاقتصاد العالمي، على إنشاءنظام منافس خاص بهم. هذه مأساة حقيقية للغرب الذي تمتع بقرن من استخراج الثروات بلا توقف من العالم النامي. والآن، وبسببالعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، يظهر نظام جديد بالكامل، يتيح استبدال الدولار بالعملات الوطنية من خلال نظام تسوية ماليةمستقل، في الصفقات التجارية الثنائية والمتعددة.

وفي وقت لاحق من هذا العام ستطلق روسيا بورصة العملات المدعومة بالسلع المتداولة والتي سيتم استخدامها من قبل الشركاء التجاريينفي آسيا وأفريقيا.

أدت سرقة واشنطن لاحتياطيات روسيا من العملات الأجنبية في نيسان/أبريل إلى دفع العملية الحالية التي تسارعت بشكل أكبر بعد حظردخول روسيا عن الأسواق الخارجية. باختصار، أدت العقوبات والمقاطعات الاقتصادية الأميركية إلى توسيع المنطقة غير الدولارية وفرضتإنشاء نظام نقدي جديد.

لعقود من الزمن استمرت الولايات المتحدة القيام بعملية احتيال تستبدل، من خلالها، عملتها بأشياء ذات قيمة حقيقية. مثل النفط والمواد الخامالاخرى، والآن قامت “فرقة بايدن” بإلغاء هذا النظام بالكامل وقسمت العالم إلى معسكرات متحاربة.

لقد بدأت الحرب على روسيا وبدأت النتائج الصادمة الأولية تتدفق بالفعل. فالروبل الروسي هو العملة الأفضل أداءً في العالم هذا العام،وقفزت 40 بالمئة مقابل الدولار منذ كانون الثاني/يناير هذا العام.

ويتوقع المحللون أن يصل الفائض التجاري لروسيا إلى مستويات قياسية في الأشهر المقبلة. يعتقد معهد التمويل الدولي أنه في عام 2022،يمكن أن يصل فائض الحساب الجاري، والذي يشمل التجارة وبعض التدفقات المالية، إلى 250 مليار دولار (15% من الناتج المحليالإجمالي العام الماضي)، أي أكثر من ضعف الـ 120 مليار دولار المسجلة في عام 2021. كل ذلك “معززاً” بالعقوبات الغربية على روسيا.

الاتحاد الأوروبي يغرق في الركود، وخطوط الإمداد تعطلت بشدة، ونقص الغذاء آخذ في الظهور باضطراد، وأسعار الغاز والنفط فيذروتها. والعقوبات لم تفشل فحسب، بل أدت إلى نتائج عكسية بشكل مذهل.

وإذا ما استمرت واشنطن في التصعيد، إلى الدرجة التي تجعل روسيا تتمكن تحويل “العملية العسكرية الخاصة” فجأة إلى حرب، حينهاستطفأ الأنوار في جميع أنحاء أوروبا، وستبدأ المنازل في التجمد، وستظل المصانع صامتة، وستنزلق القارة إلى كساد طويل الأمد ومؤلِم.

هل يفكر أي شخص في واشنطن في هذه الأشياء أم أنهم جميعاً ثملون جداً لدرجة أنهم فقدوا الاتصال بالواقع تماماً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى