مسودة دستور الجمهورية التونسية الجديدة
كتب خالد المقداد .
خاص بوابة بعليك .
ما أن أعلنت الرئاسة التونسية عن مسودة الدستور التونسي الجديد، إلا وتولت بعض وسائل الإعلام مهمة الهجوم على هذا المشروع. بانية انتقادها على أفكار ثلاثة رئيسة، عدم ديمقراطية وسيلة نشوء الدستور، تبني مشروع الدستور للنظام الرئاسي، وحظر الإضراب على القضاة والجيش الوطني..
بداية، استقر الفقه الدستوري على تقسيم أساليب نشوء الدساتير إلى الأساليب غير الديمقراطية. مثل المنحة التي يتم بموجبها تضمين الدستور رغبات الحاكم دون أي مشاركة من الشعب سابقة أو لاحقة على نشوء الدستور، والأساليب الديمقراطية، وأبرزها الاستفتاء الشعبي، أي أن يتم عرض مشروع الدستور “مسودة الدستور” على الشعب ليبدي رأيه بها بنعم أو لا، فإذا حازت المسودة على الأغلبية المطلقة عدت المسودة دستورا نافذا للدولة.. والمتابع للإعلان الدستوري التونسي، يعلم أنه تم تحديد يوم 25 يوليو موعدا للاستفتاء الشعبي على مسودة الدستور.
أما تبني مشروع الدستور للنظام الرئاسي، فالنظام الذي تبنته المسودة ليس رئاسيا، بل هو ما يعرف بالنظام المختلط أو النظام البرلماني المتطور، والذي تبناه الدستور الفرنسي لعام 1958م، وهدفه توزيع السلطة التنفيذية بين رئيس دولة يحكم فعليا وليس مهمشا أو رمزيا كما في النظام البرلماني التقليدي، وبين حكومة تتمتع بصلاحيات فعلية.. وعلى فرض أن مسودة الدستور التونسي قد تبنت النظام الرئاسي، فمن الذي وسم هذا النظام بالدكتاتورية؟! وقد نصت مقدمة المشروع على مبدأ فصل السلطات.. أي أن سلطات النظام في المسودة المطروحة تعمل في ضوء رقابة بعضها البعض.. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فمن الذي قصر الديمقراطية السياسية على النظام البرلماني فقط دون غيره من النماذج السياسية، فهذا النظام إذا لم يكن وليدا لظروف خاصة بالدولة التي تبنته، فإن تطبيقه سيترافق بأزمات سياسية تعيق حياة المواطنين، والتجربة اللبنانية والعراقية والفرنسية في عهد الجمهورية الرابعة خير مثال على ذلك.
أما فيما يتعلق بحظر الإضراب على القضاة والجيش الوطني، فمن المبادئ المستقرة في القانون الإداري هي ضمان حسن سير المرفق العام بانتظام واضطراد، وهذا المبدأ يتم العمل به في المرافق التي تقدم خدمة عامة كالاتصالات والمياه والنقل وغيرها مما يخدم المواطنين، فكيف نتصور توقف الجيش الوطني عن أداء مهامه المقدسة في الحفاظ على وحدة الدولة والسلم والأمن الداخليين والخارجيين.. وكذلك الأمر في مرفق القضاء الذي يعتبر رمزا لعدالة الدولة وديمقراطيتها، وقانونيتها..
باستعراض سريع لأوجه نقد بعض وسائل الإعلام لمشروع الدستور التونسي، نجد أن النقد الموجه يندرج ضمن التوجه السياسي لهذه الوسائل، بعيدا عن النقد الموضوعي العلمي والقانوني السليم.
وسنتولى في مقال آخر بشيء من التفصيل، عرض أهم المبادئ العامة التي تبنتها مسودة الدستور.