مقالات

لابيد بين استحقاقي الحربِ وتوقيعِ صفقةِ الأسرى
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تسلم لابيد زعيم حزب هناك مستقبل “ييش عتيد”، رئاسة الحكومة الإسرائيلية من شريكه في الائتلاف الحكومي نفتالي بينت، الذي اضطر إلى القبول بتبادل المناصب بعد أن عَرَّاه أعضاءُ حزبه وتخلوا عنه، وأفقدوه الأغلبية وحجبوا الثقة عن حكومته، وصوتوا ضده لصالح حل الكنيست والدعوة إلى انتخاباتٍ برلمانية مبكرة، وألجأوه إلى الإعلان عن اعتزال السياسة، والعزوف عن الترشح في الانتخابات القادمة، والامتناع عن تسلم أي منصبٍ وزاري في الحكومة المقبلة، فيما بدا أنه يأسٌ وقنوطٌ، وعزلةٌ وانزواء، وإحساسٌ بالغربة والوحدة، والرفض والطرد، نتيجة تخلي أعضاء حزبه عنه وانفضاضهم من حوله، وظهوره أمام شعبه عارياً من أي كساء، محروماً من أي دعم، ومجرداً من أي قوةٍ.

بدأ يائير لابيد مهامه في مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية بالإعلان عن موقفين، والاهتمام بملفين، وإن كان أمامه العديد من الملفات الساخنة التي تركها شريكه مفتوحةً، بعد أن عجز عن حلها ومعالجتها، وفي المقدمة منها الملف النووي الإيراني المستعصي على كل حكومةٍ، والمقلق لكل رئيسٍ لها، ولكن يبدو أن يائير قد آثر ملفين عن غيرهما، فبدأ بهما وانشغل بمعالجتهما، ولعله يكون أقرب إلى أحدهما من الآخر، وأكثر اقتناعاً بسرعة وأهمية تنفيذه دون الآخر، كونه يستطيع أن يتخذ بنفسه قراراً بشأنه، ولا يكون فيه مضطراً إذا أراد تنفيذه إلى انتظار الموافقة الأمريكية والمباركة الدولية.

أما الملف الأول فيتعلق بحماية منصة استخراج الغاز من حقل كاريش، بعد أن هددت المقاومة اللبنانية باستهدافها، وأظهرت قدرتها على ضربها وتعطيلها، من خلال المسيرات التي أطلقتها، وتمكنت بسهولةٍ من الوصول إلى أهدافها، والتحليق فوق منصة الاستخراج وسفينة التنقيب اليونانية، ونجاحها في تصوير أهدافها، وبث صورها ونشرها، في رسالةٍ واضحةٍ، مباشرة وصريحة، للعدو الصهيوني، أن المسيرات التي تحمل كاميراتٍ دقيقة، وتتمكن من التصوير والبث، قادرة على أن تحمل صواريخ أو متفجراتٍ، وأن تلقي بحمولتها على الأهداف المقصودة، كما بالإمكان تفخيخها، وإرسالها في مهماتٍ انتحاريةٍ ناجحةٍ.

حمل يائير لابيد إلى جانب الملف النووي الإيراني، الحاضر دوماً، والذي لا يغيب عن مسؤولٍ إسرائيليٍ أبداً، ملف المنصة المتفجر، ومسيرات حزب الله الواثقة من أهدافها، إلى العاصمة الفرنسية باريس، لعرضها على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لينقل بدوره إلى الحكومة اللبنانية وحزب الله تحذيراتٍ إسرائيلية واضحة، أنه في حال واصل حزب الله عملياته، ولم يكف عن تهديداته، ويتوقف عن إرسال مسيراته، فإن “جيش إسرائيل” يستطيع القيام بهذه المهمة، وضرب أهدافٍ لبنانية مهمة وحساسة.

إلا أنه يعلم يقيناً أن تهديداته لن تجدِ نفعاً، ولن يصغي إليها اللبنانيون، ولن تخيف أو تردع حزب الله عن الوفاء بتعهداته والقيام بالتزاماته، تجاه الشعب اللبناني بتحرير أرضه وصيانة حقوقه وحفظ خيراته، وأنه شخصياً لا يستطيع القيام بهذه المهمة في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها كيانه، وآماله في أن يعود رئيساً أصيلاً للحكومة الإسرائيلية بلا منافسة ولا مقاسمة.

ولهذا فإنه لن يمضيَ فعلياً في هذا الملف، وسيكتفي بالتهديدات وسيعزز مسار المفاوضات، أملاً في الوصول إلى اتفاقٍ مشرفٍ بالوساطة الأمريكية مع الجانب اللبناني، يخرجه من المأزق، ويجنبه حرباً قد تودي بمستقبله السياسي، وتنهي أحلامه وطموحاته في الوصول إلى مكتب رئاسة الحكومة سيداً منفرداً.

أما الملف الثاني الذي ورثه لابيد وشريكه من سلفهما بنيامين نتنياهو، والذي يفضله ويريد أن يبدأ به ويبذل جهوداً لحله، إذ لن يكلفه حرباً ولن يكون سبباً في خسارة المزيد من جنوده، وقد يحقق من خلاله ما عجز عن تحقيقه أسلافه، فهو المتعلق بجنوده المفقودين لدى المقاومة الفلسطينية بغزة، التي حددت شروطها، وأعلنت جاهزيتها لتنفيذ الصفقة حال التزام العدو بشروطها، وتعهده بالوفاء بطلباتها، ونشرت في الأيام القليلة الماضية، مصداقاً لجديتها، صوراً لأحد المفقودين، وكشفت عن حالته الصحية.

إلا أن العدو الذي يتعالى ويتغابى، ويغمض عينيه عن شروط المقاومة، يريد أن يفرض ما لا يستطيع من الشروط عليها، وأن يجبرها بالإهمال واللامبالاة على التراجع عن مواقفها، كما يحاول من حينٍ لآخر أن يقهر بالقوة إرادتها، إذ يطمح أن يستعيد جنوده المعتدين بلا ثمن، وتحريرهما بلا مقابل، ولعله بهذه الأحلام يخسر وقته ويفقد الفرصة لاستعادتهم، ولو أنه يستطيع تحقيق ما يريد بدون ضريبة لفعل ذلك، إلا أن تجربته مع شاليط تؤكد له أنه عبثاً يحاول، ومستحيلاً يأمل، وأنه ليس أمامه سوى القبول بالشروط، والالتزام بالعهود، والإفراج عن الأسرى المحددة أسماؤهم، والمصنفة حالاتهم.

يبدو أن لابيد الذي سارع إلى لقاء مسؤول ملف الأسرى والجنود المفقودين، واجتمع بوزير الرفاه الاجتماعي، إلى جانب تصريحاته السابقة الداعية إلى وجوب إنهاء هذا الملف، ووقف معاناة عائلات جنوده المفقودين، تشير إلى أنه سيولي هذا الملف اهتمامه الخاص، وسيتخذ فيه قراراً قريباً يأمل منه أن يزيد به رصيده، ويحسن فرصته وحزبه في الفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة، ويقوم بما لم يقوَ على القيام به أسلافه.

يعلم لابيد أن هذا الملف يجب أن ينتهي عاجلاً أو آجلاً، وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية أياً كانت هويته وصفته، فإنه سيوقع قراراً ينهي هذه الأزمة، ويوافق على تقديم ثمنٍ ولو كان موجعاً لحلها، ولهذا فهو يريد أن يكون هو هذا الشخص الذي يحقق هذا النصر لشعبه، ولكنه يخطئ كثيراً ويتوهمُ إن استسهل هذا الملف واستخف بالمقاومة، وظن أنه يستطيع أن يخدعها، وأن يضغط عليها بالوقت والرهان، وينتزع منها ما يريد، ويحرر جنوده ويحقق صفقةً بلا ثمنٍ، يفاخر بها ويرتقي من خلالها، ويحصد أعلى الأصوات بسببها.

بيروت في 8/7/2022
moustafa.leddawi@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى