الدساتير الخارجية بوصفها وصفة سحرية للديمقراطية
خاص بوابة بعلبك .كتب خالد المقداد .
بعد العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 م. تنص المادة الأولى من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 لعام 1974م على أن العدوان هو استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد السيادة أو الوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى بطريقة لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة برزت دراسات عديدة اعتبرت أن النظام البرلماني هو البديل الأمثل للأنظمة السياسية التي تختار الولايات المتحدة الأمريكية إسقاطها، أو استبدالها.. واعتبر الدستور الألماني الصادر في عام 1949 هو البديل المناسب..
بداية يقوم الدستور الألماني على قاعدتين أساسيتين، الأولى، ألمانيا هي دولة فيدرالية، والثانية، هي النظام البرلماني..
وتعرف الفيدرالية بأنها تجمع مجموعة من الدول اثنتين أو أكثر لتشكيل دولة جديدة، بحيث تفقد الدول الداخلة في الاتحاد اختصاصها الدولي، مع احتفاظها ببعض الاختصاصات لإدارة شؤونها الداخلية، والتنازل عن جزء منها للحكومة الفيدرالية الجديدة..
والمتتبع لتاريخ نشأة الاتحاد الفيدرالي أو الدولة الفيدرالية، يجد أنه شكل متطور من الاتحاد الكونفيدرالي، الذي لا يعني بأي شكل من الأشكال دولة فوق الدول المنخرطة فيه، وإنما يهدف إلى التنسيق والتشاور في بعض القضايا السياسية الخارجية التي تهم الدول الأعضاء فيه..
وهو ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت عبارة عن مستعمرات متعددة، ثم شكلت فيما بينها اتحادا كونفيدراليا في عام 1781م، وعندما لم يستطع هذا الاتحاد تحقيق مصالح دوله، طورت الولايات صيغة اتحادية جديدة في مؤتمر فيلادلفيا لعام 1787م، فبرزت الدولة الفيدرالية إلى حيز الوجود. وكذلك الحال في سويسرا التي كانت قبائل متناحرة، حتى عام 1848، تاريخ نشوء الدولة الفيدرالية السويسرية..
فهنا نجد أن هاتين الدولتين قد تطورتا من الصيغة المقسمة إلى الصيغة الاتحادية، وهو بخلاف ما حدث في ألمانيا، التي كانت دولة بسيطة حتى هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وفرض الحلفاء عليها الشكل الفيدرالي كصيغة لإضعاف الشعور القومي الألماني..
وبالعودة إلى العراق،نجد أن الولايات المتحدة قد فرضت الشكل الفيدرالي في دستور عام 2005، وحولت العراق بذلك من دولة بسيطة إلى دولة مركبة، وفي عام 2017 نظم إقليم كردستان العراق استفتاء بقصد الانفصال عن الدولة الفيدرالية.. ولولا قوة دولة المركز، والعوامل الدولية التي لم تساعد على انفصال الإقليم لكنا أمام تقسيم للعراق وظهور دولة جديدة في المنطقة..
من هنا نستطيع القول، أن الفيدرالية تعتبر تطورا وحدويا عندما تكون اتحادا بين مجموعة دول، وتكون خطوة لتقسيم الدول عندما تطبق في دولة كانت تأخذ شكل الدولة البسيطة.
ولذلك فإن أي دعوات لتطبيق الشكل الفيدرالي في سورية أو لبنان أو الجزائر أو غيرها من الدول العربية، هي دعوات مبطنة وتمهيدية لتقسيم هذه الدول..
أما فيما يتعلق بالنظام البرلماني. فهو يقوم على ركيزتين أساسيتين، الأولى، رئيس دولة فخري، وحكومة تمارس السلطة فعليا، والثانية. سلطة البرلمان في حجب الثقة عن الحكومة وبالتالي إجبارها على تقديم استقالتها. وتقتضي هذه الثقة، ضرورة استناد الحكومة على ثقة البرلمان طيلة فترة الدور التشريعي، وهذه الثقة تؤمنها الحكومة عند استنادها إلى أغلبيتها البرلمانية.. نظريا يعني ذلك الوسيلة الأمثل لممارسة الحكم ديمقراطيا..
ولكن الملاحظ عمليا. عند فرض النظام البرلماني والانتقال إلى مرحلة التعدد غير المنضبط للأحزاب السياسية، نجد حدوث حالة من الجمود السياسي عند تشكيل الحكومة، لدرجة قد تعيش البلاد عاما كاملا دون حكومة. كما يحدث في لبنان، أو مؤخرا في العراق..
وإذا تم التوافق بين الكتل البرلمانية لتأمين أغلبية تستند عليها الحكومة، نجد أن برنامج الحكومة غالبا ما يكون ضعيفا، وتقتصر سياستها على تصريف الأعمال، وتكون السمة الأساسية للحكومة الائتلافية الضعف والهشاشة، وقد يؤدي ذلك إلى أزمات سياسية تنتهي باستبدال النظام البرلماني بالنظام الرئاسي أو المختلط الذي يعطي رئيس الدولة صلاحيات فعلية في إدارة الدولة، وذلك كما حدث في فرنسا بعد انهيار دستور عام 1946م الذي شهد خلال اثنتي عشر عاما قيام وسقوط 24 حكومة. وتبني النظام المختلط في دستور عام 1958م..
وهنا حسنا فعل المشرع الدستوري التونسي بتبنيه النظام المختلط ابتداء، وذلك تجنبا لما قد يرافق تطبيق النظام البرلماني أزمات سياسية تنعكس سلبا على اقتصاد الدولة وما يرافقه ذلك من سوء الأحوال المعيشية للمواطنين.
بالمحصلة النهائية، الدساتير لا تفرض خارجيا، بل هي نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفلسفية التي تسود دولة ما في مرحلة ما. وبالتالي فإن صياغة أي دستور هي شأن داخلي يقتصر على الدولة صاحبة الشأن، دون أن يكون لأي دولة أو منظمة دولية جانبها، لأن ما يصلح في بريطانيا لا يصلح في العراق أو سورية أو تونس، فالنظام البرلماني البريطاني جاء نتيجة تطور تاريخي خاص بها استمر لأكتر من 500 عام..