مقالات

الرقابة بين النص والتطبيق.

. *خاص *Bawwababaalbeck.

يقول الله سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله». والمقصود بالتقوى “مخافة الله في السر والعلن”، أي أن يجعل الإنسان من الله رقيباً عليه في كافة تصرفاته، فلا يظلم ولا يسرق ولا يغش.. فتكون الرقابة ذاتية على الإنسان..
القاعدة المعروفة في الفقه الدستوري أنَّ السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ولذلك فإنَّ لكل سلطة ممنوحة جهاز رقابي يقابلها، ويتولى التأكد من انسجام العمل مع القوانين والأنظمة النافذة في الدولة.
وتتعدد أنواع الرقابة في الدولة الواحدة؛ فهي تأخذ شكل رقابة السلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية، فالبرلمان يملك حق سؤال الحكومة عن تصرفاتها، واستجوابها، والتحقيق معها، بل وحتى سحب الثقة منها وعزلها. ولتأمين حسن تطبيق هذه الرقابة وابتعادها عن التعسف، تمتلك الحكومة حق حل البرلمان بقرار معلل.
ومن أشكال الرقابة أيضاً، الرقابة الداخلية، أي الرقابة التي يتولاها الجهاز الإداري على مؤسساته، وهي تتم من خلال رقابة الرئيس الإداري الأعلى لمرؤوسيه، فيتولى رقابة مشروعية قراراتهم من تطابقها مع نصوص القانون، وكذلك رقابة ملاءمة قراراتهم للظروف والمبررات التي دفعتهم لاتخاذ هذه القرارات.
وهذه الرقابة قد تطبق من خلال جهاز مختص بالرقابة، يتبع للإدارة أيضاً، ويتولى تدقيق حسابات الإدارة، بحيث يتأكد من صحة النفقات وتطابقها مع الاعتمادات التي أقرتها السلطة التشريعية في الموازنة العامة للدولة.
والنوع الثالث من الرقابة؛ هو الرقابة القضائية، فالجهاز القضائي هو الذي يتولى فصل المنازعات بين المواطنين وبين المرافق العامة التي قد تلحق ضرراً بالبعض أثناء قيامها بواجباتها، مما يستلزم تعويضهم عنه، أو قد تخالف القانون مما يستلزم إلغاء هذه القرارات المخالفة.
وهناك نوع آخر من الرقابة؛ وهو الرقابة الشعبية، من خلال الشكاوي التي يقدمها المواطن للجهات المختصة.
القارئ لتعدد أنواع الرقابة يعتقد أنَّ جميع قرارات وتصرفات الإدارة ستكون مشروعة إلَّا ما ندر منها، ولكنَّ المتابع للواقع الإداري العربي، يرى أنَّ الدول العربية تحتل مراكز متأخرة في مقياس الشفافية والفساد الدولي.
ففي بعض الأجهزة الإدارية العربية، أصبحت الرشوة علنية، وتدفع بناء على طلب صريح من الموظف لقاء قيامه بعمله، وكذلك زيادة عدد الصفقات غير المشروعة والتجاوزات القانونية تجد طريقها للتطبيق، تحت أنظار الجهاز الرقابي الذي دخل الفساد أسواره.
ولذلك فإننا نعتقد أنَّ الإصلاح الأول للرقابة في الدول العربية يجب أن يأخذ مسارين، الأول، أتمتة الأعمال. والثاني، وهو الأهم، بناء الإنسان المخلص المنتمي، والمتمتع بالرقابة الذاتية، الذي يخضع جميع أعماله لقواعد القانون الطبيعي ومبادئ العدالة، وذلك تحت تفعيل العمل الرقابي المؤسساتي بحزم وجدية، والذي يتولى مهمة ردع من يسعى إلى الفساد في عمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى