دور المنبر في بناء الرأي العام..
كتب خالد المقداد . *خاص* Bawwababaalbeck
ينقسم الرأي العام إلى الرأي العام القائد، والرأي العام المثقف، والبقية.. ويعد الرأي العام القائد هو الأقل عددا بين هذه الأنواع، وهو الذي يقع على عاتقه مهمة إيضاح الأحداث السياسية والاجتماعية لمجموع الشعب. ويأتي بعده الرأي العام المثقف الذي يتمتع بالقدرة على تحليل الأحداث وبناء رأي خاص به، إلى جانب تأثره بما يبديه الرأي العام القائد من آراء، ولكن بما يتناسب ويتوافق مع إيديولوجيته وتوجهاته الفكرية.. أما الفئة الثالثة من الرأي العام فهي التي تعتمد على تحليلات وآراء الرأي العام القائد، وتتبنى هذه الأفكار وتتقمصها، وهي الأكثر عددا..
ومن جهة ثانية، تنقسم وسائل تأثير الرأي العام القائد إلى استعمال الدلائل والأدوات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. وهذا يعني أن وسائل التأثير في الرأي العام تتعدد وتتنوع، بمعنى أنه لا يمكن مخاطبة الجمهور بكامله بأسلوب واحد وتوجه واحد.. وما حشد من وسائل إعلامية لتمرير الخطاب المعادي للقومية العربية، ولتدمير الاستقرار السياسي والمجتمعي فيها، يوضح مدى وعي أعداء الأمة بكيفية صناعة الرأي العام ومخاطبته.
ومن بين أكثر هذه الأدوات تأثيرا في مجتمعنا العربي هو الخطاب الديني، فالقصص الدينية على الرغم مما تحتويه من تناقضات للمسلمات والبدهيات الدينية تحظى بتناقل شعبي واسع، سواء على وسائل التواصل الرقمي أو أثناء التواصل المباشر. إضافة إلى ما استطاع الخطاب الديني التحريضي تحقيقه من تخريب للمجتمعات العربية المستهدفة على مدار عقود طويلة، هو خير دليل على قدرة الخطاب الديني التحريضي في تكوين الرأي العام، والذي برز مؤخرا منذ عام 2011 في دول كانت تتمتع باستقرار ديني وإثني أوتوقراطي.
ومن أهم أدوات الخطاب الديني هي خطب الجمعة، حيث يعد منبر رسول الله من أهم أدوات التأثير بالمسلمين، وكم قادت هذه المنابر من حملات على مدار التاريخ العربي كمواجهة الصليبيين قديما، والعدوان الثلاثي على مصر والعدوان الأمريكي على العراق حديثا والحرب السوفييتية الأفغانية حديثا..
والمتابع حاليا لهذه الخطب يلاحظ إهمالا شديدا لآلية انتقاء الخطباء، وغياب المعايير الصحيحة لهذا الانتقاء.. فكثيرا ما نجد خطباء يعتلون منابر رسول الله دون أي إعداد ديني أو علمي، بل أكثر من ذلك نجد في بعض المناطق خطباء ينتمون إلى الفكر المتطرف والمعادي لأسس وقواعد الدولة الحديثة وانتماءها السياسي والقومي.
ونتيجة لغياب هذه المعايير، استطاع الفكر المتطرف أن يجد له منبرا رسميا لنشر أفكاره، واستطاعت هذه الأفكار أن تجد من يتبناها داخل مجتمعاتنا العربية، ولعل أحداث العقد الدامي الذي بدأ في نهاية 2010 في تونس خير دليل على ذلك.
بناء على ما سبق، نؤكد على ضرورة إيلاء الخطاب الديني الاهتمام المناسب لأهمية تأثيره في مجتمعاتنا العربية، وضرورة وضع المعايير الصحيحة والملائمة لإعداد الخطباء القادرين على تصحيح ما زرعه الفكر المعادي، لأن هذا الفكر لن يختفي من مجتمعنا بمجرد أن نغمض أعيننا عنه. وأول هذه المعايير هو بناء الفكر الموحد الجامع، وهو الذي كان متجليا في خطاب حرب تشرين التحريرية على لسان القائد المؤسس عندما توجه إلى أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وأبي عبيدة..