حين تختل السيادة. بقلم علي نقر.
أ.علي نقر باحث سياسي مدير وئيس تحرير مركز نهج لصناعة المحتوى …
لم يمضِ على تصريحِ بابرا ليف الشهير السبعون يوماً و بدأت أجندتها بالتنفيذِ الحرفي المعلنِ عنه بكل وقاحةٍ و سذاجة لشعبٍ لا يقرأ ولا يُتابعُ بل جلَّ همِه عمليات الإلهاء عبر مواقع التواصل الإجتماعية و ما يُسمى “تراند العلكة” الذي لا يدوم لأكثر من يومين و دائماً يكون عرضةً لتكوين العقل الجمعي أو عقلية القطيع ولم نتعلم من تجربة 17 تشرين و لن نتعلم إذا لم نتفق على تحديد جبهة العدو بكل صراحةٍ و جرأة.
بعيداً عن نظرية المؤامرة: أطلّت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف في لقاء نظّمه «مركز ويلسون» عن السياسة الأميركية في لبنان ، وأدارهُ السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل وصرحت جهراً ” أن لبنان مفتوحٌ أمام كلِّ السيناريوهات، بما فيها «تفكك كامل للدولة»، وقالت إن اللبنانيين سيضطرُّون على الأرجح إلى تحمّلِ مزيدٍ من الألمِ قبل تشكيل حكومةٍ جديدة.” و تابعت ليف رداً على سؤال هيل عن السيناريوهات المحتملة في لبنان إزاءَ هذه التطورات :”أرى سيناريوهات عدة، التفكك هو الأسوأ بينها… قد تفقد قوى الأمن والجيش السيطرة وتكون هناك هجرة جماعية، هناك العديد من السيناريوهات الكارثية. وفي الوقت نفسه أتخيل أن البرلمانيينَ أنفسهم سيحزمون حقائبهم ويسافرون إلى أوروبا، حيث ممتلكاتهم” و الأخطرُ من ذلك أصدرت أمر العمليات إلى الداخل اللبناني بقولها:” أعتقد أنه يجب أن تسوء الأمور أكثر، قبل أن يصبح هناك ضغط شعبي يشعر به النواب. نحن نضغط على القادة السياسيين ليقوموا بعملهم ولكن لا شيء يؤثر مثل الضغط الشعبي، وعاجلاً أم آجلاً، سيتحرك ذلك من جديد.”
و في مطلع شهر كانون الأول أطلَّ هيل على اللبنانيين في زيارةٍ فرغها الإعلام من مضمونها السياسي حيث تم الإعلان أنَّ هيل قادمٌ على رأسِ وفدٍ من مركز للدراسات الذي يرأسه و هو في لبنان من أجل لقاءِ بعض الشخصيات كمواطنٍ ومديرٍ لمركز ويلسون، و سرعانَ ما أطلَّ “كمحاضر” في وزارة الخارجية اللبنانية و جدد وصفته للحل في لبنان واعتماد المعايير المناسبة التي يطلبها صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات كالبنك الدولي، ومن دون إصلاحات الصندوق المطلوبة سيكون الانهيار، و قال حرفياً ” لكن ما يلزم هو ما يمكن اللبنانيين فعله، كل الحلول يجب أن تنبعَ من الداخل، لا تنظروا إلينا بل إلى مسؤوليكم لتجدوا الإجابات عن طريقة الخروجِ من الأزمة”.
و في إستكمالِ زيارتِه إلى لبنان مستمعاً لثرثرات الطامحين أُقيم “للزائر الباحث” جلسات تحت مسمى العشاء في كلَّ من زغرتا بضيافةِ الطامح للكرسي الأول ميشال معوض وحضور تغييري و جمع من المتحمسين، تلاها عشاءٌ آخر بضيافة الطامح للكرسي الثاني في بيروت فؤاد المخزومي فضلاً عن زياراتٍ ذات طابع إستكشافي حول الموضوع الرئاسي لكل من فرنجية و ميقاتي و زيارة خارج البروتوكول مع ريا الداعوق مسؤولة التيار الوطني الحر في بيروت بحضورِ رئيس الجمهورية الأسبق. الأمر الملفت في كل الزيارات أطلَّ الضيف المواطن بحلته البريئة محافظاً على العموميات دون أن يُسجل عليه أي نقطة دبلوماسية.
و بعد عودتِه من رحلة الإستكشاف، هل أودعَ لدى من التقاهم خريطةَ طريقٍ ما ؟، خصوصاً أنه بتاريخ 13 كانون الثاني و في مقال منشور في موقع مركز ويلسون يحمل عنوان “حاكم المركزي، بأهمية رئيس الجمهورية” و كل ما سبق كان تحت مسمى باحث !!!!
إذا صدرَ أمرُ العمليات و وصلت رياحَه إلى العاملينَ في لبنان و إستنفرت كلّ الجهود السياسية و المالية و على رأسها بدعةِ صيرفة التي إبتدعها الحاكم بأمره و تتابعت التعاميم التي جعلت من دولار سوق المضاربات يصل الى 60.000 و تخطت سعر صفيحة البنزين المليون ليرة، و في سياق الأحداث ” حادثة العاقبية” و إستثمارها الإعلامي و إستباق التحقيق و إختفاء الموضوع عن التدوال بعد بضعة أيام، فضلاً عن إستهداف إعلامي ساخر أطلَّ من شاشةٍ المفروض أنها إشتهرت بفضحِ ملفات الفساد و أتبعها إستهداف آخر بنيرانٍ صديقةٍ و شظايا الدايخ التي كادت أن تصل إلى حدودٍ لا يحمدُ عقباها و كل ذلك أتى بعد أيامٍ فقط على فضيحةِ كشف داتا المعلومات للمواطنين من رئيس التفتيش المركزي جورج عطية لجمعية بريطانية “الملف ألذي سُحب من التداول الإعلامي فوراً” ناهيكَ عن كميةِ المعلومات التي جمعتها الولايات المتحدة الأمريكية عن الجيش اللبناني و قوى الأمن الداخلي بحجةِ المساعدات التي لا تُثمر ولا تُغني من جوع ومسرحية فيلم نيابي طويل بطولة بعض الشعبوين في محاولةٍ لتقليد النواب الجمهورين عند إنتخابهم لكيفين ماكارثي رئيساً لمجلس النواب الأمريكي مطلع العام الحالي, وآخر الأحداث “البريئة” حتى لحظة كتابة المقال هي تسكير لبعض الطرقات في مختلف المناطق اللبنانية كما تم وضع شركة “سيتكس” الذي يملكها اللبناني حسن مقلد تحت مطرقةِ العقوبات الأمريكية، وإشتباكٍ قضائي أسفرَ عن إفراج مواطنٍ أمريكي المفروض أنه ممنوع من السفر، لكن للأسف هو الآن في طريقه إلى بلدهِ الثاني بعد تدخلٍ سافر و واضح من السفيرة شيا و التلويح بالعقوبات على أسماء كبيرة في ملف التحقيقات.
أمامَ كُلِّ ما تقدم، يبدو أننا أمام مرحلةِ إختلال السيادة و الفوضى المضبوطة…