أخبار محلية

هكذا يعْشَقُ السوريون وطنهم..


بقلم: د. حسن أحمد حسن
قراءة في كلمة قائد الوطن إلى أبناء الوطن
تابعت كغيري من أبناء سورية الكلمة المتلفزة التي وجهها السيد الرئيس بشار الأسد عن تداعيات الزلزال الذي ضرب سورية، وأعدت قراءة النص الكامل الذي نشر أكثر من مرة محاولاً استخلاص أهم الأفكار والرسائل التي يجب على عشاق الوطن جميعاً التوقف عندها والتفصيل في مضامينها والعمل على تعميمها لتصبح جزءاً من طرائق تفكير الجميع، لأن طرائق التفكير هي التي تحدد سلوك الفرد وتتحكم بدوافعه، وحقيقة فوجئت بعد الانتهاء من إعادة القراءة أني وضعت أسطراً عند النص بكليته، فكل كلمة مهمة، وكل جملة تتضمن معاني وأفكاراً يجب العمل لتعميمها وترسيخها في الأذهان، وإنجاز هكذا واجب يفوق طاقة الأفراد، ولذا سأكتفي بالتوقف عند بعض النقاط التي أرى في الإشارة إليها والتذكير بمضامينها فرض عين على كل عشاق الوطن، ومنها:
• الوطن منزل، وحمايته واجب الجميع:
سيد الوطن قال: “الوطن هو المنزل… وحمايتُه واجبٌ بغض النظر عن نوع وحجم التحدي، وبغض النظر عن الإمكانيات زادت أو نقصت” .. وهذا يعني الكثير من الجوانب المهمة والنقاط الأساسية التي يجب التوقف عندها، ومنها:
ـ عندما ينطلق كل شخص من أن الوطن منزله فهذا يعني الكثير، فالمنزل ليس مجرد مكان للإقامة والنوم، بل وللحياة بمعانيها الواسعة.. هو الحضن الدافئ الذي يلم أبناءه ويحفظ أسرارهم، وهذا الحضن يبنى بجهود قاطنيه وبعرقهم وحرصهم جميعاً على المحافظة على سلامته لأن سلامتهم من سلامته.. والمنزل يجب أن يبقى نظيفاً آمناً حصينا ً، ومن يرَ أي وهن أو ضعف في أي جانب من المنزل يسارع بكل ما يستطيع لتلافيه من دون أن ينتظر أمراً أو توجيهاً، بدلاً من أن يقول: سد هذه الثغرة وتلافي تلك الملاحظة أو الظاهرة ليس من شأني ، بل من شأن الأخ فلان أو الأم و الأب، فالمهم أن يقدم كل فرد ما يستطيعه، ويكمل الآخرون كل وفق إمكانياته.
ـ حماية الوطن واجب بغض النظر عن حجم التحديات، وحتى الأخطار التي قد تترتب على المساهمة في حمايته، فالتعامل مع نافذة مكسورة في جو من الرياح العاتية قد يعرض من يقوم بذلك لبعض الأذى، لكنه يحول إن سارع للتعامل مع الحالة من تفاقم الأخطار التي تنعكس سلباً على الجميع، وترك النافذة مكسورة يعني إمكانية أن تعصف الرياح ببعض أثاث المنزل، ويمكن أن يدخل منها بعض الحيوانات و الحشرات الضارة، وبالتالي يصبح المطلوب الذي لا يجوز تأجيل القيام به التعامل مع الحالة المستجدة وفق المتوفر، فليس المطلوب الانتظار إلى حين إحضار النجار وتركيب الزجاج، بل لا بد من سد الثغرة ولو بقطعة قماش أو خشب أو غير ذلك، وكذلك الأمر إذا شب حريق في هذه الغرفة أو تلك يجب المسارعة لإخماده مع اليقين بأن ذلك يتضمن التعرض لمخاطر متعددة، وبغض النظر عما يتوفر من إمكانيات، فمن غير المعقول أن يتم الانتظار حتى تأتي سيارة إطفاء الحريق.
ـ قد تكون الإمكانيات متواضعة ولا تفي بالغرض، لكن في حمأة أداء الواجب يتم تحييد مثل هذه الحسابات، وتنفيذ الواجب بما يتوفر ووفق الإمكانية المتاحة، وتطبيق هذا الأمر في شتى جوانب حياتنا اليومية الخاصة والمجتمعية كفيل بتوفير الكثير من الجهد، والحفاظ على الكثير مما قد نفقده بذريعة قلة الإمكانيات، أو بحجة تلافي التعرض للأخطار والتحديات والتهديدات، فمن يعتد على التقاعس عن أداء الواجب والتذرع بقلة الإمكانيات والوسائط المتاحة سيبقى قادراً على اختلاق الذرائع مهما تكدست الإمكانيات ومهما توفرت اللوازم.
• خصوصية العائلة السورية:
حديث السيد الرئيس عن الوطن لم يتوقف بتعريفه على أنه المنزل بل تبع ذلك تحديد شعور الأبناء والروح الوطنية العالية التي تحلى بها الجميع كأبناء عائلة واحدة أفراداً ومؤسسات، فقال: “هذا الشعور العميق والشامل تجاه الوطن البيت سورية، من قبل أبناء عائلته الواحدة أفراداً ومؤسسات.. وهذه الهبةُ الهائلة لحماية وإنقاذ ومساعدة أخوتِهم المكلومين..”.وهنا يمكن التوقف عند بعض النقاط المهمة، ومنها:
ـ سورية بيت جميع السوريين، و معاً يشكلون عائلة واحدة تضم الأفراد والمؤسسات، فالمؤسسات هي الصيغة التنظيمية للعمل الرسمي الحكومي، والأفراد هم أبناء الوطن والمجتمع مع خصوصية كل منهم، وعندما يتعرض الوطن أو جزء منه لكارثة يهب الجميع لأداء الواجب، فما حدث يهدد هذا الجانب أو تلك الناحية من البيت السوري الواحد، وواجب العائلة السورية بكل أفرادها ومكوناتها أن تهب للتعامل مع التداعيات وتقليل الأضرار والخسائر ما أمكن، وهكذا يتكامل الأداء فيكون الكل في حماية الجزء، ويكون أداء الأفراد والجماعات “الأجزاء” لتحصين “الكل ـ بيت العائلة”.
ـ توصيف الحالة بـ “الهبة الهائلة” فيه الكثير من الدقة وغنى المضمون، فالتعامل أو الأداء كان فعلاً إيجابياً ومؤثراً، وليس ردة فعل و انفعال… كان استجابة سريعة ومسؤولة تميزت بالدور الذاتي لكل من شارك، وبالتفاعل كجزء مكون لتلك الهبة، إضافة إلى اتصاف الفعل بالشمولية والقدرة على ترك الأثر كهبة السيف وما قد يترتب عليها من نتائج وتداعيات.
ـ ترسيخ معاني الوطنية والإنسانية في المشهد المتشكل، وهذا جزء ومكون أساسي من الهوية السورية، وهو وإن لم يكن غريباً عن أي مواطن سوري فالجميع لمس ذلك على امتداد سنوات الحرب، لكن ما ميز الموقف في الكارثة أنه كان “أكثرَ شمولاً ووضوحاً.. والأهم أنه كان أكثرَ بلاغة” فامتداد الحرب لاثنتي عشرة سنة لم تستطع أن تفقد السوريين محبتهم لبعضهم بعضاً، ولم تفلح في أن تقلل من تعلقهم ومحبتهم لوطنهم أرضاً وشعباً، ولا أن تبدل في قناعاتهم ومشاعرهم وقيمهم وعادتهم وتقاليدهم الوطنية التي يعتزون به ويفتخرون، وفي هذا الكلام دعوة للتمسك بهذه القيم والأعراف والقناعات، فما حاول أعداء الوطن فرضه على امتداد سنوات الحرب يجب أن يبقى مرمياً في سلة المهملات ليبقى الانتماء الخالص للوطن والافتخار بالهوية الوطنية بعيداً عن أية انتماءات ضيقة حاولوا فرضها وفشلوا، ويجب أن يحرص الجميع على تجذير فشل الأعداء في إحداث أي شرخ يمهد للتفرقة والتقسيم، وفي الوقت ذاته العمل بكل السبل لترسيخ القيم الوطنية النبيلة ونقاء الانتماء لبيت العائلة سورية الحبيبة.
• أهمية تحصين الوعي المجتمعي والتصدي للحرب الإعلامية المعادية:
يمكن القول بكثير من اليقين إن ما نعيشه هذه الأيام هو الفصل الأخطر من فصول الحرب المفروضة على المجتمع السوري أفراداً ودولة لأنه يتضمن الحرب على الأفكار والوعي والقناعات، و إذا كانت الحرب كمكاسرة إرادات تتضمن استمرار السياسية بوسائل أخرى، فتحصين الإرادة والقناعات الفردية والجماعية هو العنصر الأهم لضمان النصر، وعدم السماح للأعداء بالفوز على أقل تقدير، وما تضمنته كلمات السيد الرئيس من إشارة إلى هذا الجانب أكثر من مهمة حيث قال سيادته: “وهل يمكن أن ننسى أولئك الذين استنفروا غِيرة وحرصاً للدفاع عن الصورة الحقيقية لمجتمعنا في وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، ولم يسمحوا للصورة المشوهة التي حاول البعض تسويقها، المساس بسمعتنا كمجتمع، للأخلاق فيه وللتعاضد والغيرية القيمة الأعلى على المستوى الفردي والجماعي”، ومن المهم جداً الإشارة هنا إلى مجموعة من النقاط التي يجب أن تبقى حاضرة في الذهن، ومنها:
ـ الاندفاع الذاتي الذي ميز أداء المحللين والمثقفين والإعلاميين الذين استنفروا بكل ما تعنيه كلمة الاستنفار للدفاع عن الصورة لحقيقة المجتمع السوري
ـ استنفار المحللين والكتَّاب والإعلاميين والنخب الفكرية والثقافية والمجتمعية استند ليقين أولئك بشراسة الحرب الإعلامية التي تستهدف تزييف الحقائق، وتشويه صورة الدولة السورية، وضرورة التصدي لها بجميع الوسائل الممكنة لتفادي خطورتها وشرورها وإسقاط أهدافها العدوانية الخبيثة.
ـ من المهم ربط هذا الجانب من حديث السيد الرئيس مع إشارته إلى ضرورة توخي الدقة والحقيقة وتجنب الشائعات الهدامة التي تستهدف الإحباط “فلنبحث عن الحقيقة بدلا من تسويق الشائعة، التي إن طغت على مشاهد البطولة والتضحية والتفاني والتعاضد والاندفاع اللامحدود الذي شهدناه خلال الساعات والأيام التي تلت الزلزال، فإنها سترسل رسائل الإحباط لكل أولئك الذين صنعوا ذلك المشهد الوطني الإنساني المتميز والمذهل، وتسوّق الصورة مناقضة ومغايرة لتلك الصورة ناصعة البياض التي رسمناها لدى الآخرين.” فما شهدته الأيام السابقة زاخر بصور التفاني والإيثار والاندفاع لتخفيف الألم، وما تم تقديمه من الدولة السورية أفراداً ومؤسسات موضع إعجاب كل أصحاب الضمير الإنساني في العالم، وهذا لا يقلل قط من خطورة ما يتم العمل عليه في الغرف السوداء المظلمة وأوكار الاستخبارات المعادية لتسويق صورة مشوهة ومناقضة للواقع الحقيقي.
ـ من المهم جداً التصدي للشائعات وهي كثيرة ومستمرة، ومن يعمل على ترويجها أصحاب خبرات متراكمة في غزو العقول واختراق الأذهان والقناعات، وهذا يرتب على النخب الفكرية والثقافية والمجتمعية مسؤوليات إضافية في مواجهة خطر الحرب النفسية والإعلامية التي تضم في غرف عملياتها جحافل من المختصين وأصحاب الأقلام المأجورة ممن يعملون على نشر سمومهم بكل الوسائل المتاحة وبإمكانيات جبارة لإمبراطوريات إعلامية عجزت حتى الآن عن اختراق الوعي المجتمعي السوري، وعلى كل عشاق سورية مواصلة جهود التصدي والدفاع المقدس عن الحق والقيم الإنسانية النبيلة التي تؤكد حقنا في العيش بحرية وسيادة وكرامة وبعيداً عن كل أشكل الحصار الجائر والعقوبات الفردية الظالمة التي تسعى واشنطن لتكريسها بما يستهدف السوريين جميعاً شعباً وجيشاً وقائداً مفدى.
ـ ساحة المواجهة وميادين الاشتباك متعددة وواسعة ومتنوعة، وهي تشمل كل وسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى جبهات مشتعلة لا تعرف الهدوء على مدار الساعة، وما قدمه الوطنيون السوريون في هذا الجانب الخطر من الحرب أكثر من مهم، وتضمين السيد الرئيس كلمته هذه الإشارة وسام فخر على صدر كل من امتشق سيف الدفاع عن الوطن في جبهات الحرب الإعلامية التي ما تزال محتدمة، والاشتباك يتربع الذروة على مدار الساعة.
ـ كما أن حديث السيد لرئيس عن هذا الدور الوطني المشرف الذي اضطلع به فرسانه وسام فخر كذلك هو مسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية دائمة تقع على كاهل كل منهم، وعلى الجميع الاستمرار بأدائها على الوجه الأكمل لأن مدافع الحرب الإعلامية لا تصمت ولا يخفت دوي قذائفها، وجبهات الاشتباك لا تعترف بقيود الحتمية الجغرافية، بل إنها تمتد لتشمل كامل الجغرافيا الكونية وعلى مدار الساعة، وهذا ما يجب أن يبقى حاضراً في عقل ووجدان كل عشاق الوطن الغيارى والحريصين على تنفيذ واجباتهم الذاتية تجاه الوطن وأبنائه.
سوريتنا الحبيبة ستبقين معشوقة كل ابنائك الميامين الذين نذروا إنفسهم للدفاع عن مقومات الكرامة والسيادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى