تقدير موقف | ما بين الصمود والردع وتراجع العدو عن سقف أهدافه
لم يتفاجأ المقاومون من سيناريوهات التقدم البري الصهيوني التي كانت ضمن توقعاتهم، وتمكنوا من التعامل مع عمليات التوغل مانعين العدو من تحقيق أي إنجاز، فبعد مواجهات جيش الإحتلال مع المقاومة التي أعدت الميدان لإستقباله بالنار، يستبعد أن يذهب العدو لعملية برية أوسع، استعد لها المقاومون ودرسوا إحتمالاتها منذ بداية تحركهم.
وفي قراءة لوضعية العدو نجد أنه استخدم قواته البرية والبحرية والجوية لتنفيذ ودعم عمليات توغل بري داخل قطاع غزة اطلق عليها اسم “عملية الرياح الحارقة”، مطوراً تكتيكاته القتالية ضمن خطة دمج الأذرع الحربية، توالف بين توغل بري لا يصل لمستوى الإجتياح مدعوماً بقصف جوي وبحري ومدفعي مركز ومكثف، فحقق تقدما محدودا داخل أطراف غزة في مناطق مفتوحة مستخدماً أسلوب التدرج في التقدم.
في سياق تطورات الميدان
نجحت المقاومة في التعامل والتصدي للمرحلة الجيدة من الحرب على غزة، وكبدت العدو خسائر فادحة في اليومين الأخيرين من خلال عمليات نوعية نذكر منها عملية إلتفاف خلف خطوط العدو عند موقع إيريز، وعملية استهداف ناقلة الجند المدرعة الأكثر تطوراً في العالم بصاروخ موجه وقتل 11 جنديا كانوا في داخلها، إضافة لإستهداف قوات المشاة ومنها عملية بيت حانون إذ اسقطت مسيرة للمقاومة الفلسطينية عبوة مضادة للأفراد في وسط تجمع جنود الإحتلال في منطقة بين حانون المدمرة بالكامل. وتسعى المقاومة لإستدراج العدو إلى كمائنها في نقطة القتل بعد إيهامه بنجاح توغله مرحلياً.
ورغم طول أمد العركة ما زالت المقاومة مستمرة في استهداف مراكز تحشد قوات العدو في غلاف غزة و مواقعه في المدن الأخرى بنيران مركزة طالت حيفا وديمونا وإيلات وتل أبيب وغيرها. كما أن استهداف مدينتي نهاريا وصفد برمايات صاروخية من لبنان وتحقيق إصابات مؤكدة على بعد 30 كلم، اعتبره الكيان العبري تصعيداً وتجاوزاً لمساحة الإشتباك إلا أنه لم يتجرأ على التمادي في تجاوز عمق منطقة العمليات داخل الحدود اللبنانية.
وفي ظل دخول عامل استهداف العدو من جبهات اليمن والجولان والعراق مراحل متقدمة منها الانباء عن استهداف برج التحكم في قاعدة جوية “إسرائيلية” في جزيرة دهلك في أريتريا، ما أدى لتعطيل عملها بشكل مؤقت، وهي القاعدة التي انطلقت منها طائرات “إسرائيلية” لقصف قوافل إمداد حماس بالسلاح في مدينة كسلا السودانية منذ سنوات، وتمكن أنصار الله اليمنية من إيصال مسيرات مدمرة لمدينة إيلات أصابت أهدافاً، ووصول صواريخ المحور لبحيرة طبريا، عمل الكيان على تعزيز دفاعاته الجوية لتمتد إلى خارج الجغرافيا الفلسطينية، فقد شاركت منظومات الدفاع الجوي المصرية والأردنية (للاسف) في صد بعض الصليات الصاروخية والمسيرات اليمينة وعراقية، ودخلت على خط الدفاع عن كيان الإحتلال إمتثالاً لتعليمات أميركية وتحسباً لدخول إيران وحزب الله على خط المواجهة.
كما أن العدو ما زال يعمد إلى سياسة عزل القطاع عن العالم الخارجي عبر قطع الإتصالات وخدمات الانترنت او إعادة فتحها بشكل محدود ومراقب، للتعتيم على جرائمه وقطع خطوط الإتصالات التي يمكن للمقاومة وحاضنتها الشعبية الإستفادة منها بما فيها للتواصل في داخل القطاع ومع العالم وكذلك مع الضفة والأراضي المحتلة عام 1948.
وتشير المعلومات الإستخبارية العسكرية إلى إستخدام العدو لـ126 طائرة حربية في عملية “الرياح الحارقة”، انطلقت 25 منها من قواعد جوية داخل فلسطين المحتلة أما الباقيات فإنقضت على غزة من مدارج مطارات عسكرية خارج فلسطين منها اليونان وبلد عربي على الأقل، حسب المعطيات.
وبعد استخدامه قذائف الفوسفور، لجأ الكيان العبري إلى ترسانته من قنابل النابالم الحارقة وغازات الأعصاب في المعركة لأول مرة من ضمن الأسلحة المحرمة دولياً. وبرز إلحاح الولايات المتحدة بالإسراع في حسم المعركة إذ ارتفع حجم القوة الامريكية المشاركة بشكل مباشر في القتال الى (5000) من مشاة البحرية والقوات الخاصة موزعين على غرف إدارة العمليات والاستخبارات العسكرية إضافة لفنيين مختصين في تطوير إداء الصواريخ والقذاف المختلفة.
أما القطع البحرية الأميركية، البريطانية والألمانية فهي متمركزة قبالة الشواطىء الفلسطينية واللبنانية في وضعية جهوزية قصوى. ويذكر أن غرفة أركان الحرب المركزية لجيش الكيان العبري ضمت مؤخراً ضباطا أميركيين رفيعي المستوى أبرزهم الجنرال جيمس جيلين قائد القوات البحرية الأميركية الخاصة في الحرب على أفغانستان والعراق يضاف إلى سجله الإجرامي الحرب على غزة لتقديم الخبرات والدعم اللوجستي لجيش الكيان.
في تقييم الموقف السياسي
بينما نشرت صحف أميركية وغربية نوايا الولايات المتحدة في إنشاء قوة متعددة الجنسيات تدير الأمن في غزة بعد “اجتثاث حماس” والمقاومة منها، وتشير التقديرات إلى ان هذه الفكرة ما زالت تختمر في أذهان القادة الغربيين بقيادة الولايات المتحدة، مع فكرة إعطاء مصر دوراً بارزاً في هذه المهمة، إلا أن توفير الغطاء الدولي عبر مجلس الأمن يجعل من هذه القوة جسماً شبيهاً لقوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان إن لم تفشل هذه الفكرة.
وفي هذا الصدد قال السيناتوران كريس فان هولين (ديمقراطي من ماريلاند) وريتشارد بلومنثال (ديمقراطي من كونيتيكت) لصحيفة بوليتيكو إن هناك دبلوماسية مبكرة ومغلقة بشأن إنشاء قوة حفظ سلام في غزة، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تشمل قوات أمريكية.
من ناحية أخرى، بدأ الضوء الأخضر الأميركي للكيان العبري يضيق قبيل وصول أنتوني بلينكين صباح يوم الجمعة إلى تل أبيب وقبيل خطاب سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الحاسم الرادع والمفصلي في مسار الصراع. وتشير صحيفة بوليتيكو في تقريرها مجدداً إلى بدء الرئيس بايدن ومساعديه بمناقشة احتمال إخراج رئيس وزراء الكيان نتنياهو سياسيا من “إسرائيل” في المستقبل القريب. وبحسب التقرير، فقد ظهر هذا التقييم في المحادثة الأخيرة بين بايدن ونتنياهو. وتعددت المصادر المراقبة التي تشير إلى أن إدارة بايدن تعتقد أن فترة بقاء نتنياهو في السلطة في “إسرائيل” باتت محدودة.
في نفس الوقت تتزايد حملة التنديد الشعبي المعارضة للأداء حكومة نتنياهو في داخل الكيان والمطالبة بتبادل الأسرى على أساس الكل مقابل الكل، بشكل متزامن مع تفاقم الخلافات بين نتنياهو والأجهزة الأمنية والعسكرية مما يزيد من حالة الإرتباك في أوساط القيادة الصهيونية.
أما الحراك الشعبي السياسي داخل المجتمع الغربي الاوروبي والأميركي أدى لنبذ الرواية الصهيونية وعدم الإمكانية للإستمرار في ترويجها، إلا أن الموقف الأميركي المعلن لا زال محافظاً على مستوى الدعم السياسي والعسكري للكيان. وفي سياق تصفية الحسابات الأميركية مع روسيا ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن “تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبحت أكثر تطرفاً وتقترب بالفعل من معاداة السامية”. ووضعت هآرتس روسيا والفلسطينيين في نفس الخندق، وادعت أن موسكو تضع “إسرائيل” في محور تحالف الشر إلى جانب الولايات المتحدة وأوكرانيا، وحسب الصحيفة على الأشخاص العاقلين القتال ضده.
في المحصلة، ومن خلال التطورات الميدانية والسياسية يمكن رصد ديناميكية إيجابية تمثلت في تراجع الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية عن سقف أهدافهم في تدمير حركة المقاومة في غزة وعلى رأسها حماس، إلى تدمير قدرات المقاومة، كما أن فكرة تهجير سكان القطاع قد اخرجت من التداول العلني لتعثر تنفيذها بسبب صمود شعب ومقاومي غزة ودعم المحور، وبقيت ضمن الاهداف الإستراتيجية للعدو في حال توفر الفرص المؤاتية لذلك، وبالرغم من التباطؤ في وتيرة إيصال المساعدات الإنسانية وإخراج الجرحى إلا أن عجلتها قد بدأت بالدوران لا منةً من مجتمع دولي أو عالم عربي بل بفضل دماء الغزيين الفلسطينيين وتضحيات المقاومين داخل وخارج فلسطين، أما ما ينتظره العالم بأسره من صديق وعدو من خطاب سماحة الأمين العام، فمن المؤكد أنه سيحمل لهجة حاسمة ورادعة مفصلية، وفي أي قرار أو فعل سيكون مرافقا سيكون فيه موعداً مع نصر جديد، فحزب الله لم يتخل لا عن المعادلات السابقة التي فرضها على العدو في حماية لبنان ومنها ترسيم الحدود البحرية، التي أخل بها الغرب الضامن لهذا الكيان من خلال إنكار وجود الغاز والنفط وعرقلة استخراجه كما لم ولن يتخلى حزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي وكل محور المقاومة عن فلسطين ومقاومتها.
المصدر: موقع المنار