جهاد التبيين(الجزء الثاني).
. خاص
.Bawwababaalbeck
كتبت أ. زينب حسن البزال .
جهاد التبيين
الجزءالثاني
هاد التبيين عند الأنبياء والمرسلين
النبي نوح (ع) .نموذجا
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علی خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد وعلی آله الأطهار الميامين ..
السلام علی نوح نبي الله….
السلام علی من جاهد حق جهاد ليبين للناس أن الله حق وأن التوحيد حق وأن طاعة الله وطاعة أنبيائه ورسله حق…..
السلام علی من لبث في قومه تسعمئة وخمسون عاما من عمره الشريف وهو يجاهد في سبيل الله ويتحمل الأذی والإهانات المريرة من قوم لم يسعهم إلا إلحاق الأذی به وبرسالته السماوية، حتی أنزل الله عليهم غضبه فكانوا عبرة لمن اعتبر…
مازال الحديث حول جهاد التبيين، وفي هذه المقالة سنبدأ بعون الله تعالی الحديث عن هذا الجهاد العظيم في حياة نبي من أنبياء الله ومن أولي العزم ليصار في المقالات المقبلة بإذن الله للحديث عن هذا الجهاد في حياة الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام.
أمر الله سبحانه وتعالی الخلق بعبادته، ولأنه جل وعلا لطيف بعباده، أرسل لهم الأنبياء والمرسلين وسددهم بالأوصياء المعصومين ليبينوا لهم طريق العبودية لله تعالی، ونبي الله نوح عليه السلام وهو أول نبي من اولي العزم الخمسة وهم نوح، وابراهيم، وموسی. وعيسی، وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد ص واله.
لقد كان نوحا نبي من أنبياء الله العظام ولشدة اهتمام القرآن الكريم برسالته ذكره في أكثر من أربعين موضعاً، تناول فيها حياته الشريفة وما جری عليه طيلة الأعوام التي قضاها مع قوم ضلوا عن سبيل الله تعالی وبلغ الأذی منهم لهذا النبي الكريم مبلغا عظيما، حتی أنزل الله عليهم جام غضبه وسخطه وأغرقهم عن بكرة أبيهم فكانوا عبرة لمن اعتبر من الأقوام اللاحقة.
النبي نوح عليه السلام في القرآن الكريم
تمحورت هذه المقالة حول إيضاح معالم جهاد التبيين في حياة نبي الله نوح عليه السلام وماجری عليه وكيف حاول عليه السلام جاهدا إرشاد قومه لطريق الحق تعالی ولكن فسقهم وفساد عقيدتهم جعلهم شر الخلائق واستحقوا بذلك غضب الله عليهم ،فالله تعالی يقول :وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾. ولذلك، كانَ الأنبياءُ مِنْ أقربِ الناسِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ. وهم ملتزمون ببيان رسالة الله تعالی للناس وتبليغهم أوامره ونواهيه.
ولسائل أن يسأل متی بصبح التبيين جهادا، والجواب أن يقال يصبحُ التبيين جهاداً عندما يكونُ في مواجهةِ عدوٍّ يريدُ تزييفَ الحقائقِ وإضلالَ الناس، ولأجل ذلك كان لابد من الوقوف علی حياة نبي الله نوح عليه السلام وبيان الجهاد الذي جاهده عليه السلام في هذا المقام.
ورد ذكر قصة نبي الله نوح عليه السلام في الكثير من المواضع في الذكر الحكيم، وقد أفرد الله جل وعلا في كتابه المبين سورة كاملة عن حياته الشريفة ناهيك عن باقي المواضع في سور عدة من القرآن الكريم.
سورة نوح وهي السورة الواحدة والسبعون حسب ترتيب السور القرآنية بالرسم الموجود بين أيدينا، وفيها ثمانية وعشرون آية ، تناولها علماؤنا الأجلاء بالتفسير ليبينوا ما أمكن للناس من سيرة هذا النبي العظيم مع قومه الضالين.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
استهلت السورة المباركة ببيان رسالة نبي الله نوح عليه السلام السماوية والهدف الغائي منها وبينت العذاب الواقع علی من ضل عنها، وكأن الله جل وعلا أراد وبآية واحدة من سورة واحدة بيان أهمية اتباع ما أنزله الله علی نبيه الكريم وما أراد تبليغه لقومه من خلاله ومغبة عدم طاعة النبي فيما قد أرسل من أجله.
ويتضح من أولی آياتها أهمية اتباع الرسل والأنبياء بدعوتهم لدين التوحيد ، وهذا هو موضع الشاهد، حيث إن الهدف الرئيس من جهاد التبيين هو طاعة الأنبياء عليهم السلام والمضي بما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه من أجل إتمام الدعوة التي أرسلوا من أجلها، وهاهو نوح عليه السلام يعاني الأمرين ولمدة طويلة من أذی قومه المستكبرين الضالين عن طريق الحق، فنجده في الآيتين الثانية والثالثة من السورة المباركة يصرح لهم وبالفم الملآن بأنه نذير مبين ، وبأن طاعته واجبة عليهم لأنها عين عبادة الله جل وعلا.
يقول السيد الطباطبائي قدس سره الشريف في معرض تفسيره لهذه الآيات المباركة في تفسير الميزان وذلك قوله تعالی:{قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} بيان لتبليغه رسالته إجمالا…وتتابع الآيات لتبين كيف أن نوحا عليه السلام لم يكتف من بيان أهمية طاعته فيما أرسل به، بل أخبرهم بثواب من طاع والتزم وعقاب من عصی وتخلف، وذلك قوله تعالی:{يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
يقول السيد الطباطبائي قدس سره:( والمعنی:
أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعوني يؤخركم الله إلى أجل مسمى هو أقصى الأجلين فإنكم إن لم تفعلوا ذلك جاءكم الأجل غير المسمى بكفركم ولم تؤخروا فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ففي الكلام مضافا إلى وعد التأخير إلى الأجل المسمى إن آمنوا، تهديد بعذاب معجل إن لم يؤمنوا.)انتهی
وفي هذا السياق يتضح أن الدعوة التي أمر الله تعالی نبيه نوحا بإيصال معالمها وتنفيذها متجلية بطاعة الله من خلال عبادته والابتعاد عن المعاصي وذلك قوله تعالی{واتقوه} وطاعة رسوله {واطيعون} ، ليتضح أن رسالة نبي الله نوح عليه السلام كانت مبتنية علی تبليغ الناس وارشادهم الی ما فيه صلاح لهم وهي تجارة مربحة لو أنهم أطاعوا والتزموا ويدل عليه قوله تعالی في سورة الصف:{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات﴾الاية 12 ، وللمتدبر أن يدقق في هذه الآية ليعلم أهمية الجهاد في سبيل الله ومقدمته الايمان بالله وبرسوله وصولا الی القتال في سبيله والانفاق في سبيله ايضا وما لذلك من ثواب عظيم عند الله تعالی.
ثم تنتقل السورة إلی بيان شكوی نبي الله نوح عليه السلام علی قومه حيث إنه دعاهم ليلا ونهارا، سرا وجهرا،ولم يمتثلوا لدعوته، بل اشتد ضلالهم وعصيانهم، ولعل المدة التي قضاها مع قومه كفيلة بالإشارة الی حجم المشقات والجهود المبذولة منه عليه السلام، يكفي في المقام ما لهج به لسان الذكر ليلا، نهارا، سرا، جهرا، ليبين الكم والكيف ثم أنه عليه السلام وضح لهم ثواب الطاعة ومغبة العصيان وكان يذكرهم بنعم الله عليهم وبقدرته العظيمة، ويدلهم بالدليل القاطع علی هذه القدرة المتجلية بالاعجاز الخلقي وبالمقابل يعبر لسان الوحي بكلمة فرارا كدليل علی شدة البعد والاستكبار والاستهجان الحاصل منهم لدعوته عليه السلام الی أن انتهی الأمر بنزول الغضب عليهم وجعلهم الله تعالی عبرة للأقوام اللاحقة، فما كان منه عليه السلام الا أن شكا مأساته تلك مع أؤلئك المستكبرين لعلمه بأن الله ناصر ومسدد لأنبيائه ورسله.
وموضع الشاهد في هذه السورة هو بيان أهمية جهاد التبيين، فنبينا عليه السلام رغم استكبار قومه وتعنتهم وضلالهم، لم ييأس من إرشادهم للحق، ولم يرتدع عن الدعوة لطريق الحق ومحاربة الباطل، ويكفي في المقام المدة التي لبث فيها بين قومه وهي مدة طويلة مقارنة بالمدة التي قضاها نبينا عليه وعلی آله الكرام أفضل الصلاة والسلام بين قومه، وهذا إن دل فإنما يدل علی حجم المشقة والمعاناة التي تحملها في جهاده عليه السلام لتبيين الحق من الباطل والدعوة لعبادة الله الواحد الأحد، ولعل الموقف الأشد صعوبة علی قلبه الشريف هو العقاب الذي نزل بهم، ويدل علی ذلك تنبيهه إياهم مرات ومرات عديدة علی مغبة عصيانهم وتمردهم علی أوامر الله جل وعلا، ولأن الأنبياء هم أهل الرأفة والرحمة نجد أن نبينا نوحا عليه السلام كان يحاول جاهدا تقريبهم لطريق الحق بشتی السبل والوسائل فتارة يذكرهم بنعم الله عليهم وثوابه المترقب حال حصول الطاعة والابتعاد عن المعاصي وذلك قوله تعالی:{يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًاوَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}، وتارة يذكر قدرات الله جل وعلا وعلو شأنه وذلك قوله تعالی:{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}، ولعل هذا هو دأب الرسول فمن شأن الرسل والأنبياء عليهم السلام تغيير سبل إيصال الهدف بغية اتمامه، وقد حقق بدعوته لهم جميع خصائص جهاد التبيين، حيث إنه كان شديد التواصل معهم، وكان يتبع منهجا اخلاقيا منطقيا وموضوعيا رائعا معهم وهذا ما نلمسه من خلال الآيات الأخيرة من سورة نوح، فقد ذكرهم بنعم الله عليهم، والعاقل يعلم أن العقل والمنطق يقران بقاعدة شكر المنعم، ولكنهم أبوا إلا المضي في ضلالهم وتعنتهم واستكبارهم، كما ويلاحظ قوة الخطاب التبييني الوارد في الآيات الكريمة ومتانته ودعمه بالأدلة والبراهين، فضلا عن أنه سلام الله عليه لم يترك مناسبة إلا ودعاهم لعبادة الله الواحد وترك الوثنية، حتی استحق من الله تسلية قلبه الشريف ويدل عليه قوله تّعالی:{ وأُوحي إلى نوح أنّه لن يُؤمن مِن قومك إلّا مَن قد آمن فلا تَبتَئِس بما كانوا يفعلون } وذلك عندما أمره الله ببناءالسفينة ، أمره الله بالتوقف عن مخاطبته لأجل انقاذهم، وذلك قوله تعالی:{واصنع الفُلك بأعيننا ووحينا ولا تُخاطبني في الذين ظَلموا إِنّهم مُغرَقون﴾ (هود: 36- 37).، وهذا يشير إلی حجم الدعاء الذي كان يدعو به علهم يهتدوا، بل حتی عندما حصل الطوفان كان قومه يسخرون منهم ويستهزؤون، قال تعالى: ﴿ويصنع الفُلك وكلما مرّ عليه ملأٌ من قومه سخِروا منه قال إن تسخروا منا فإِنّا نَسخر منكم كما تسخرون، فسوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يُخزيه ويَحِلّ عليه عذاب مُقيم﴾ (هود: 38- 39).، فقد بين لهم دعوته الشريفة قولا وفعلا وفي كل زمان ومكان ، ولكن وبكل أسف نالوا ما يستحقون نتيجة استكبارهم وضلالهم وتعنتهم.
فسلام الله علی نبيناالصابر المحتسب.
وختاما لابد من الإشارة الی درس بالغ الأهمية في جهاد التبيين عند نبينا نوح عليه السلام وهو عدم اليأس بل المحاولة الدائمة لاحقاق الحق رغم يقينه بضلالهم، لذلك ونحن في هذا الزمن يتحتم علينا أن لا نيأس بل يلزم علينا وضع الهدف نصب أعيننا وهو نصرة الاسلام المحمدي الأصيل فهذا ما علمنا اياه انبياؤنا الطاهرون.
فهل نيأس من واجب التبليغ وقد علمنا نبينا نوح علی نبينا واله وعليه أفضل الصلاة والسلام أنه وبرغم قلة الناصر، الدعوة لدين الله الواحد الأوحد يجب أن تستمر والله تعالی كفيل بالنتائج
وما النصر الا من عنده جل وعلا…
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أ. زينب حسن البزال .حوزة السيدة الزهراء ع
جامعة المصطفی العالمية.
26/11/2023