جهاد التبيين عند الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم.
للإستاذة زينب حسن البزال.
جهاد التبيين عند نبي الله إبراهيم صلوات الله عليه
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علی المبعوث رحمة للعالمين وعلی آله الأطهار الميامين
لازال الكلام حول جهاد التبيين، سيما في ما خص الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، ولعل المحور الأساس في هذا المقام هو بيان أهمية هذا الأمر العظيم في الرسالات السماوية وما فيه من فائدة عظيمة في حياة الناس.
والكلام يقع حول نبي الله ابراهيم علی نبينا وآله وعليه السلام وكيف استطاع نبينا ابراهيم عليه السلام بيان معالم هذا الجهاد خلال حياته الشريفة، وهو الذي عاصر النمرود الجبار الذي بلغ جبروته مبلغا عظيما واستطاع نبينا عليه السلام هدم ركائز وبنيان هذا الظالم .
وكنبي الله نوح عليه السلام، أفرد الله جل وعلا في الذكر الحكيم سورة كاملة باسمه الشريف، ناهيك عن مواضع كثيرة في سورةالبقرة وسورة آل عمران وفي سورة النساء وغيرها من السور، والتي تناولت حياته الشريفة ومعاناته مع قومه الضالين ، ولعل هذه المواضع بينت ما بينت من معالم الجهاد العظيم الذي قاده نبينا ابراهيم عليه السلام في الدفاع عن الحق ومجابهة الباطل المتمثل بالنمرود واتباعه.
ابراهيم ع في القرآن
ورد في سورة البقرة قوله تعالی:
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿١٢٤ البقرة﴾
والكلام في عبارة {إني جاعلك للناس إماماً}
يقول السيد الطباطبائي قدس سره الشريف في سياق بيانه لهذه العبارة:﴿إني جاعلك للناس إماما﴾ أي مقتدى يقتدي بك الناس، ويتبعونك في أقوالك وأفعالك، فالإمام هو الذي يقتدي ويأتم به الناس…
وفي هذا البيان دلالة واضحة علی مهمة هذا النبي الكريم وكأنها دستورا الهيا من العلي الأعلی للناس وفيه الزامهم باتباع اقوال النبي والالتزام بافعاله والاقتداء به لأنه وبأمر الهي الموكل ببيان أحكام الله جل وعلا وتعليمها وتبليغها لعباد الله.
ثم تتابع الآيات من سورة البقرة لتبين محورية اتباع ابراهيم عليه السلام، ليأتي الأمر الإلهي باتخاذ مقامه الشريف مصلی وذلك قوله تعالی:{
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿١٢٥ البقرة﴾
يقول السيد الطباطبائي قدس سره الشريف في بيان هذه الآية:
اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، والمصلى اسم مكان من الصلاة بمعنى الدعاء أي اتخذوا من مقامه (عليه السلام) مكانا للدعاء والظاهر أن قوله: جعلنا البيت مثابة بمنزلة التوطئة أشير به إلى مناط تشريع الصلاة ولذا لم يقل: وصلوا، في مقام إبراهيم، بل قال: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، فلم يعلق الأمر بالصلاة في المقام، بل علق على اتخاذ المصلى منه.
وهذا البيان إن دل فإنما يدل علی أهمية رفع الدعاء من مقامه الطاهر، فالدعاء وسيلة للتقرب لله جل وعلا فكيف به إن كان من مقام نبيه ابراهيم عليه السلام.
ثم توضح الآية التالية دعاء النبي ابراهيم عليه السلام وذلك قوله تعالی:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿١٢٦ البقرة﴾
يقول السيد الطباطبائي قدس سره:
نقل القرآن العظيم عن هذا النبي الكريم دعوات كثيرة دعا بها وسألها ربه كدعائه لنفسه في بادىء أمره، ودعائه عند مهاجرته إلى سورية ودعائه ومسألته بقاء الذكر الخير، ودعائه لنفسه وذريته ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات، ودعائه لأهل مكة بعد بناء البيت، ودعائه ومسألته بعثة النبي من ذريته.
مما ينبغي الالتفات اليه هو أن هذه الدعوات تشخص مجاهداته ومساعيه في جنب الله وتعرف الناس أهميته عند ربه وموقعه وزلفاه منه جل وعلا، وهذا يدل علی أهمية اتباعه فيما أوكل اليه بتبليغه.
ولم يكتف القرآن الكريم ببيان أهمية اتباع نبي الله ابراهيم عليه السلام، بل ورد التحذير من مغبة عدم الاتباع وذلك قوله تعالی في نفس السورة :
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين}َ ﴿١٣٠ البقرة﴾
وفيها بيان لمغبة عدم اتباعه عليه السلام، حتی أن الله جل وعلا اعتبر من تخلف ورغب عن اتباعه أنه سفيه النفس أي من حماقة النفس التخلف عن ملة ابراهيم ع حيث إن السفيه هو المرء الذي لايعلم ما ينفعه مما يضره.
يقول السيد العلامة:
أن الإعراض عن ملة إبراهيم من حماقة النفس، وعدم تمييزها ما ينفعها مما يضرها ومن هذه الآية يستفاد معنى ما ورد في الحديث: أن العقل ما عبد به الرحمن.
وها هو في موضع من الذكر يبين جل وعلا أن نبي الله يعقوب عليه السلام وهو نبي اليهود يوصي أبناءه باتباع ملة ابراهيم ع لأنها المعيار لعبادة الله الواحد الأحد وذلك قوله تعالی:
أَ{مْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٣} البقرة﴾
يسوق الشيخ العلامة ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل بيانا رائعا حول تفسير هذه الآية ما فيه تصريحا وايضاحا بأن الدين الحق الذي يجب اتباعه لاغير هو الاسلام.
يذكرالشيخ الشيرازي بداية سبب نزول هذه الآيه فيقول:
كان جمع من اليهود يعتقدون أن يعقوب عندما حضرته الوفاة أوصى بنيه أن يعتنقوا اليهودية (بتحريفاتها السائدة خلال عصر البعثة المباركة)، والله سبحانه أنزل هذه الآية:
إنّ يعقوب لم يوصِ أبناءه بشيء غير التوحيد والتسليم لربّ العالمين والذي هو الاساس لبرنامج الأنبياء.
من الآية يبدو أن قلقاً ساور يعقوب عندما حضرته الوفاة بشأن مستقبل أبنائه، وعبّر عن قلقه هذه متسائلا: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾؟ وإنما قال: ﴿مَا تَعْبُدُونَ…﴾ولم يقل «مَنْ تَعْبُدُونَ…» لتلوث البيئة الإِجتماعية آنذاك بالشرك والوثنية، أي بعبادة الأشياء من دون الله.
فأراد يعقوب عليه السلام أن يفهم ما في قرارة نفوس أبنائه من ميول واتجاهات، وبعد أن استمع الجواب اطمأنت نفسه.
وتستطرد الآيات في سورة البقرة لتبين كيفية مجاهدة ابراهيم عليه السلام والطريقة التي حاجج بها أهل الكفر والشرك.
وذلك قوله تعالی:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}َ ﴿٢٥٨ البقرة﴾
وهنا محط رحالنا وموضع الشاهد في ما يخص جهاد التبيين في دعوة نبي الله ابراهيم عليه السلام وكيف استخدم النبي عليه السلام الحجة والمنطق في تبليغه لعبادة الله الواحد الأحد وموقف القوم منها والكلام في ثلاث مقدمات :
المقدمة الأولی:محاججته للظالم النمرود
المقدمة الثانية: محاججته للقوم
المقدمة الثالثة:محاججته لأهل بيته.
أما الأولی فتبينها الآية السابقة وملخصها أن النمرود ادعی الربوبية بل دعا الناس لعبادته دون الله عز وجل، فتحداه نبي الله عليه السلام بالإحياء والإماتة، فحاول النمرود بمغالطة ما ايهام الناس بأن تحدي ابراهيم عليه السلام في هذا الامر هو وهن ، الا أن الله سبحانه وتعالی مسدد وناصر أنبيائه، فتحداه بالشروق والغروب والتي أثبتت عجز النمرود أمام الملأ من الناس، ليبين وبأسلوب منطقي عقلي وهن ادعاءات النمرود وكانت النتيجة أن بهت الذي كفر.
وذلك قوله تعالی: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾10.
وهذا الأمر يدل بوضوح أن دعوة الأننبياء عليهم السلام كانت مرتكزة علی المنطق والحجج الدامغة التي من شأنها الإقناع، وأن هذا الأسلوب الحججي استخدمه الأنبياء في مهمتهم التبليغية لقطع الطريق علی المتلف الراغب عن عبادة الله تعالی.
المقدمة الثانية: وترتكز علی دعوته ومحاورته لقومه
مما لا شك فيه أن قوم ابراهيم عليه لسلام كانوا يرتعون تحت نير الوثنية ، فكان من النبي عليه السلام أن حاورهم وحاججهم أيضاً بالبرهان والأدلة العقلية، التي تثبت أن أصنامهم هذه التي اتخذت عندهم آلهة دون الله لا خير فيها ولا بركة تنتظر منها ، وبالرغم من ذلك حاولوا أن يحتجوا بأنهم علی دين آبائهم وكانت حججهم واهنة ضعيفة أمام تكسير ابراهيم عليه السلام لأصنامهم وطلبه منهم أن يتكلم الأصنام فيقولون من ذا الذي سحقها وكسرها، ولكنهم وقفوا وقفة الذاهل، حيث إن أصنامهم هذه لا تملك لنفسها ضرا أو نفعا، وهنا يبطل إبراهيم هذه الحجة فان الإنسان عليه أن يتبع الحق لا الآباء.
والرب الذي ينبغي أن يعبد هو الذي خلق الإنسان والذي إليه يعود أمر هذا الإنسان دون الأصنام سواء كانت أصنام من حجر يصنعها الإنسان بيده أو كانت أصناما بشرية أي من سائر أفراد البشر الذين لا يملكون حولا ولا قوة، وإن تجبروا على الناس وتسلطوا عليهم.
وذلك قوله تعالی:
﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَانَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنْ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ الشَّاهِدِين{.
ثم يشرع عليه السلام بايضاح صفات المعبود الأوحد الذي ينبغي أن تكون العبادة له:﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين{.
وبذلك يتبين أنه عليه السلام جاهد الكفر والباطل حق جهاد ، واستخدم كافة الوسائل التي من شأنها اقناعهم وتثبيت دعائم دعوته الشريفة، بل إنّ رغم قسوتهم وتعنتهم وعنادهم لم ييأس بل جاهدهم حتی إنهم رموه في النار التي جعلها الله آية للناس فكانت بردا وسلاما علی براهيم عليه السلام.
المقدمة الثالثة: حواره مع أبيه
الحوار الثالث الذي ذكره القران الكريم هو ما دار بين إبراهيم عليه السلام وأبيه آزره (وهو عمه حقيقة واحتراماً له كان يناديه يا أبت) حيث إن إبراهيم عليه السلام توجه بالنصيحة له:﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَانِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً * قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّا}.
وفي حوار إبراهيم تظهر الشفقة الشديدة على أبيه من العذاب الإلهي ولأجل ذلك أراد أن تكون هذه الشفقة عاملاً لتليين قلب أبيه لعل الهداية تجد طريقها إليه.
وللمتدبر أن يتعلم منه عليه السلام أن الجهاد مع القربی لا يكون بالغلظة بل باللين والشفقة والحسنی، فحتی لو كان الأهل مشركين بالله تعالی فدعوتهم لعبادة الله الواحد لا تسلك مسلك دعوة الآخرين بل بالمودة والحسنی لما للاحسان للقربی من شأن عند الله تعالی.
ويتبين من خلال هذه المقدمات الثلاث أنه عليه السلام اعتمد في جهاد التبيين اسلوبا متميزا الاقناع والحجة عماده واللين والحسنی والمحاورة ركائزه، سيما في دعوته آزره حيث يتضح وجوب اتباع العلماء وان كانوا أصغر منه أو أقلَّ شأنا منه في سائر الأمور، وظهر أيضا أن دعوة الناس إلى الحق لا بد وان تتم دائماً بروح المحبة والشفقة، وهي سمة الأنبياء عليهم السلام وأن مواجهة أهل الضلال مهما اشتدَّت لا ينبغي أن تجعل الداعية إلى الحق شخصاً قاسي القلب ولأجل ذلك خاطب إبراهيم أباه حتى بعد رفضه الشديد للحق بقوله سلامٌ عليك.
وخلاصة المقام:
ونحن في خضم الحرب الناعمة والتي تغرس أنيابها في بيوتنا وعقول أبنائنا وبناتنا ما هو دورنا اللازم لتحديها والإطاحة بها وهو أن نسلك طريق الحكمة والتريث في التعامل مع هذه الحرب الضروس كي نردعها ونطيح بها من أساس، وأن يكون نهج الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه هو نهجنا الأساسي الذي إن اقتدينا به نجونا وأنجينا أولادنا من مغبات هذه الحرب ولعل نهج نبينا ابراهيم عليه السلام في جهاده للباطل ودعوته للحق خير مثال علی أنه مهما تجبر الظالم واتسعت بقاع ظلمه فإن الله تعالی لا محال مسدد لمن يدعو بالحق وللحق ولا غلبة للظالم علی المظلوم بل العكس هو الصحيح، لأن كلمة الله باقية لا مغير لها .
فسلام الله علی نبينا ابراهيم صلوات الله عليه ما حيينا.
زينب حسن البزال
حوزة السيدة الزهراء ع
جامعة المصطفی العالمية
قسم ماجستير التفسير وعلوم القرآن