✳️ هل نجح “كير ستارمر” في تحقيق أهدافه من الجولة الأوروبية؟ ✳️
✳️ *هل نجح “كير ستارمر” في تحقيق أهدافه من الجولة الأوروبية؟* ✳️*إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية*أجرى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر جولة أوروبية، شملت كلاً من ألمانيا وفرنسا، أكبر قوتين في الاتحاد الأوروبي، وذلك يومي 28 و29 أغسطس 2024، والتي تعد أول جولة خارجية له بعد توليه رئاسة الحكومة البريطانية في يوليو 2024؛ حيث تهدف إلى تعزيز علاقات بريطانيا مع القوى الكبرى في التكتل الأوروبي، وذلك في إطار التعهد الذي قطعه ستارمر بعد فوزه في الانتخابات بتحسين علاقات بلاده مع حلفائها الأوروبيين، وذلك بعد سنوات من الخلافات التي نشأت عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما يسعى ستارمر إلى استخدام هذه الزيارة كخطوة أولى نحو تعزيز النمو الاقتصادي البريطاني، وتخفيف حدة التوترات التي خلفتها الحكومة المحافظة السابقة مع الحلفاء الأوروبيين، بعد ما أسماه “14 عاماً من التراجع”، الناتج عن آثار البريكست.أبعاد رئيسةتأتي زيارة رئيس الوزراء البريطاني إلى كل من برلين وباريس، في ضوء رغبته في إعادة بناء العلاقات البريطانية-الأوروبية، خاصة بعد خروج لندن من فلك الكتلة الأوروبية عام 2020. ويمكن تناول أبعاد هذه الزيارة على النحو التالي:1- رغبة ستارمر في إعادة ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي: بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (البريكست) رسمياً عام 2020، تأثرت العلاقات بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد بشكل كبير، ولذلك جاءت زيارة كير ستارمر إلى ألمانيا وفرنسا، كجزء من استراتيجيته لإعادة بناء هذه العلاقات، وإعادة توجيه السياسة الخارجية البريطانية، في إطار الروابط العميقة التي تربط بين الدول الأوروبية؛ إذ تعد محاولته لإعادة التفاوض على علاقات بريطانيا الأوروبية جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً تتمثل في اتخاذ قرارات مثيرة للجدل في وقت مبكر من ولايته كرئيس للوزراء، حيث سبق وأن وعد ستارمر “بتجاوز الأزمة المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”، وإعادة بناء علاقات مثمرة مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مع التأكيد على أن هذا التحول لا يعني العودة عن البريكست، بل السعي لتحقيق تعاون أعمق في مجالات أخرى، مثل الاقتصاد والدفاع.2- البحث البريطاني عن التعاون الدفاعي مع أوروبا: تحتل كل من ألمانيا وفرنسا مكانة محورية في مجال الدفاع بالنسبة لبريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، وخاصة باريس التي تُعد شريكاً أمنياً رئيسياً لبريطانيا؛ إذ يشغل كل منهما مقاعد دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فضلاً عن كونهما القوتين النوويتين الوحيدتين في أوروبا الغربية.وفي ضوء التهديدات الأمنية المتزايدة في أوروبا، ولا سيما التهديدات الروسية، سعى ستارمر إلى مناقشة شولتز في إمكانية إبرام معاهدة دفاعية جديدة بين البلدين، والتي قد تستلهم من اتفاقية “لانكستر هاوس” الموقعة بين لندن وباريس في عام 2010، بهدف تعزيز القدرات الدفاعية لكلا البلدين. وستركز المعاهدة المقترحة على تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في تطوير الأنظمة الدفاعية، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، وهي خطوات من شأنها تعزيز الأمن القومي لكلا البلدين، وضمان استعدادهما للتعامل مع أي تهديدات محتملة.3- دعم العلاقات التجارية والنمو الاقتصادي: تعتبر كل من ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في الاتحاد الأوروبي، شريكين استراتيجيين لبريطانيا، لذلك تعمل الأخيرة على تعزيز العلاقات الاقتصادية معهما، خاصة وأنهما يعتبران من أكبر الشركاء التجاريين لبريطانيا؛ إذ تعد ألمانيا وفرنسا هما ثاني ورابع أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة على التوالي؛ حيث تشكل التجارة مع هاتين الدولتين حوالي 15% من إجمالي التجارة الخارجية للمملكة.وبناءً على ذلك، ركّز برنامج ستارمر على لقاء قادة الأعمال وكبار المسؤولين في الشركات الكبرى، مثل سيمنز للطاقة وراينميتال في ألمانيا، بهدف جذب المزيد من الاستثمارات الألمانية إلى المملكة المتحدة، باعتبارها استثمارات حيوية لدعم الاقتصاد البريطاني في مرحلة ما بعد البريكست؛ حيث تسهم في خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز النمو في مجالات مثل الطاقة والتكنولوجيا، وخاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتلاحقة. كما تأتي هذه الجهود التجارية البريطانية-الأوروبية قبل استضافة رئيس الوزراء البريطاني لقمة استثمارية دولية كبرى في أكتوبر 2024، تعمل على تعزيز فرص الاستثمار والنمو في جميع أنحاء البلاد.4- التراجع النسبي في حجم المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا: تعتزم ألمانيا، التي تعد ثاني أكبر داعم لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، خفض ميزانيتها المخصصة لدعم أوكرانيا في العام 2025 بنسبة 50%، مما يمثل نقطة تحول قد تؤثر على الدعم الأوروبي لكييف؛ إذ أشارت الحكومة الألمانية إلى عدم نيتها تقديم أي مساعدات إضافية لأوكرانيا تتجاوز مبلغ الأربعة مليارات يورو المدرجة في ميزانية 2024، وهو ما قد يؤثر على تمويل نظام الدفاع الجوي “IRIS-T”، وبعض صفقات ذخائر المدفعية والطائرات بدون طيار، التي كان من المقرر تمويلها خارج ميزانية 2024، الأمر الذي سيطرح تساؤلات حول قدرة أوكرانيا على الصمود في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة. هذا وقد أبدى حلفاء كييف الغربيون رد فعل حذراً على التوغل الأوكراني الأخير في كورسك، إذ أعربوا عن قلقهم من إمكانية استخدام أسلحتهم على الأراضي الروسية، وهو ما قد يؤدي إلى رد فعل قوي من موسكو. فعلى الرغم من سماح بريطانيا لكييف بنشر سرب من 14 دبابة بريطانية الصنع من طراز “تشالنجر 2” حسبما تراه مناسباً، بيد أنها قد وضعت قيوداً على استخدام صواريخ “ستورم شادو” الكروز طويلة المدى. وفي الإطار ذاته، رفضت ألمانيا مراراً وتكراراً إرسال صواريخ توروس بعيدة المدى إلى كييف، وسط مخاوف من تصعيد الصراع.5- زيادة معدلات الهجرة عبر القناة الإنجليزية: تُعد قضية الهجرة غير الشرعية عبر القوارب المتجهة من فرنسا وألمانيا إلى المملكة المتحدة، مروراً بالقناة الإنجليزية، من أبرز القضايا التي تلقى اهتماماً كبيراً لدى الإدارة البريطانية؛ إذ سجلت الهجرة غير الشرعية عبر القناة الإنجليزية أعلى مستوياتها على الإطلاق في النصف الأول من عام 2024، حيث زادت بنسبة 18% مقارنة بالعام السابق، ليصل عدد المهاجرين إلى حوالي 13,500 شخص. ومنذ بداية عام 2024، توفي 25 شخصاً، وهو ضعف عدد القتلى في عام 2023 بأكمله. ومن اللافت للنظر أيضاً أن ستارمر سبق وتعهد باتباع نهج جديد لمعالجة كافة قضايا الهجرة غير الشرعية أثناء حملة حزبه الانتخابية، وذلك بالتركيز على وقف عبور القوارب الصغيرة من أوروبا لأراضي المملكة المتحدة، وكذلك إلغاء خطة ريشي سوناك لترحيل المهاجرين إلى رواندا.6- قرب انعقاد الانتخابات الأمريكية: تسعى الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وهي من أكبر دول حلف شمال الأطلسي في الإنفاق على الدفاع في أوروبا الغربية، إلى تعزيز التعاون الدفاعي فيما بينها، تحسباً لاحتمال تراجع الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا إذا عاد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025؛ حيث لطالما حذر ترامب في حملته الانتخابية من أنه إذا انتُخب فسيعيد النظر في دور حلف الناتو ومهمته، مما أثار مخاوف من أن الولايات المتحدة قد تحد من دعمها لأوكرانيا، ولا سيما إشارات ترامب لعدم نيته تقديم مساعدات عسكرية غير مشروطة لأوكرانيا. وقد تزايدت المخاوف الأوروبية من أن الولايات المتحدة قد تحد من دعمها لأوكرانيا منذ اختيار ترامب لجيه دي فانس نائباً له؛ حيث أكد الأخير معارضته لقيام الولايات المتحدة بكتابة “شيكات مفتوحة” لمساعدة أوكرانيا في محاربة روسيا.7- تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في أوروبا: في ظل تصاعد المخاوف من عودة دونالد ترامب اليميني المتطرف إلى السلطة في الولايات المتحدة، أعرب كير ستارمر عن قلقه من تصاعد نفوذ الجماعات اليمينية المتطرفة في المملكة المتحدة وأوروبا، بل ودعا الأحزاب السياسية التقدمية في أوروبا إلى التوحد لمواجهة هذا التحدي المشترك، محذراً من ترويج اليمين المتطرف أفكاراً خطيرة تهدد الديمقراطيات الأوروبية. تأتي تخوفات ستارمر عقب فوز حزب الإصلاح في المملكة المتحدة الشعبوي المناهض للهجرة بزعامة نايجل فاراج بنحو 14% من الأصوات في الانتخابات العامة، وهي واحدة من أكبر النسب التي يحصل عليها حزب بريطاني يميني متشدد في تاريخ الانتخابات البريطانية، إلى جانب مواجهة إنجلترا وأيرلندا الشمالية أعمال شغب من قبل اليمين المتطرف في بداية شهر أغسطس 2024، الأمر الذي أثار مخاوف من أنه قد يُشكل تهديداً انتخابياً حقيقياً لحزب العمال في المرة القادمة.وفي السياق ذاته، يواجه المستشار الألماني أولاف شولتز ضغوطاً شديدة من حزب “البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف”؛ إذ تشير استطلاعات الرأي إلى احتمالية مواجهة حزب شولتز هزيمة انتخابية في العام المقبل (2025). وكذلك ماكرون الذي واجه حزبه هزيمة ساحقة في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي عُقدت في يوليو 2024، وكادت أن تحسم لصالح التيار اليميني المتطرف في فرنسا، وذلك قبل أن ينجح التيار اليساري في تحويل النتيجة لصالحه، بعدما حصل على أكبر عددٍ من المقاعد في البرلمان الفرنسي.تفاهمات مشتركةتضمنت زيارة كير ستارمر لألمانيا وفرنسا مناقشات موسعة بين زعيمي البلدين حول عدة قضايا محورية، على رأسها الارتقاء بمستوى العلاقات البريطانية-الألمانية، وضمان استمرار تقديم الدعم لأوكرانيا، إلى جانب مكافحة الهجرة غير الشرعية. ويمكن تناول أبرز نتائج هذه الزيارة كما يلي:1- الارتقاء بمستوى العلاقات البريطانية-الألمانية: عقب الاجتماع الذي جمع بين ستارمر وشولتز، أكد إعلان صادر عن البلدين عن اتفاقهما على بدء المفاوضات لإبرام معاهدة جديدة شاملة بين البلدين، تهدف إلى الارتقاء بالعلاقات بين المملكة المتحدة وألمانيا إلى “المستوى التالي”، ولا سيما تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، مع التركيز على التعاون في مجالات الدفاع والأمن، إلى جانب تعزيز النمو الاقتصادي والتكنولوجي. بدوره، وصف ستارمر هذا الإعلان بأنه خطوة هامة نحو تحقيق شراكات استراتيجية تعزز مصالح البلدين في ظل التحديات العالمية المتزايدة التي تتطلب تعاوناً وثيقاً بين الدول الأوروبية، إذ ستلعب برلين دوراً محورياً في محاولات إعادة بريطانيا إلى دائرة الكتلة الأوروبية. هذا وقد تم تحديد جدول زمني لإنهاء المفاوضات بحلول أوائل العام المقبل (2025)، مما يعكس رغبتهما في إرساء أساس متين للعلاقات المستقبلية، بحيث تكون المعاهدة “متوافقة تماماً مع عضوية ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، وعلاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي”، وفقاً للإعلان الصادر عن البلدين. ومع ذلك، أعرب ستارمر عن رغبته في إنهاء المفاوضات بحلول نهاية العام الحالي (2024)، مما يشير إلى أهمية الجدول الزمني، في ضوء استطلاعات الرأي التي تُشير إلى تراجع شعبية حزب شولتز الاشتراكي الديمقراطي.2- إصرار ستارمر على موقفه بشأن البريكست: على الرغم من تعهده بإعادة ضبط علاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، أكد ستارمر عدمَ نية بلاده العودةَ إلى الكتلة الأوروبية أو السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي، وهو ما يعكس حرص ستارمر على تحقيق توازن بين تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والحفاظ على استقلالية بريطانيا بعد البريكست. وفي الوقت نفسه، يسعى ستارمر للتفاوض على علاقات جديدة مع الاتحاد الأوروبي، تشمل تحسين التجارة وتقليل العقبات أمام التعاون في المجالات المختلفة، مثل الاقتصاد والتعليم والدفاع.وفي تعليقات أصدرها مكتب رئيس الوزراء قبل مغادرة ستارمر إلى برلين، قال رئيس الوزراء إن حكومته لديها فرصة لإعادة ضبط علاقتها مع أوروبا، والسعي إلى شراكات حقيقية وطموحة تحقق مصلحة الشعب البريطاني، قائلاً: “يتعين علينا أن نتجاوز مرحلة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ونصلح العلاقات المكسورة التي خلفتها الحكومة السابقة. وقد بدأ هذا العمل في اجتماع المجتمع السياسي الأوروبي الشهر الماضي، وأنا عازم على مواصلته”، مضيفاً أن “تعزيز علاقاتنا مع هذه البلدان أمر بالغ الأهمية، ليس فقط في معالجة مشكلة الهجرة غير الشرعية العالمية، ولكن أيضاً في تعزيز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء القارة وفي المملكة المتحدة بشكل خاص، وهي إحدى المهام الرئيسية لحكومتي”.3- التأكيد على استمرار تقديم الدعم لأوكرانيا: ناقش ستارمر مع كلٍّ من شولتز وماكرون ضرورة استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، خاصةً بعدما تعرضت الدول الثلاث لضغوط داخلية بسبب مساعداتهم الكثيفة لكييف لمساعدتها في صد الهجمات الروسية، مما أثر سلباً على مستويات الإنفاق الحكومي للدول الثلاث. وأثناء زيارة ستارمر إلى ألمانيا، اتفق على أنّ دعم أوكرانيا يظل أولوية قصوى، وتم التأكيد على استعداد البلدين لتقديم الدعم اللازم مهما طال أمد الصراع، باعتباره انعكاساً لالتزامات بلديهما بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك التزامهما بمواجهة التهديدات الروسية في أوروبا. من جانبه، أكد شولتز استمرار دعم برلين لكييف، قائلاً إنه “فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة، لا توجد قرارات جديدة من ألمانيا”.بدوره، أوضح ستارمر أنه “لم يتمّ اتخاذ أي قرارات جديدة أو مختلفة” بشأن استخدام الأسلحة البريطانية أو الألمانية المرسلة إلى أوكرانيا، لكن حكومته تتبع استراتيجية الحكومة البريطانية السابقة في دعم كييف، بما يتفق مع نهج الحلفاء الرئيسيين الآخرين. وأثناء زيارة ستارمر لباريس، أعلن قصر الإليزيه في بيان له: “اتفقنا على أنه من الضروري مواصلة دعم الأوكرانيين طالما كان ذلك ضرورياً لضمان الدفاع وأمن البلاد والقارة ككل”.4- مكافحة الهجرة غير الشرعية: كانت الهجرة غير الشرعية موضوعاً رئيسياً في محادثات ستارمر مع كل من ماكرون وشولتز؛ حيث يواجه البلدان الثلاثة تحديات كبيرة في هذا الصدد؛ حيث اتفقت لندن وبرلين على تطوير خطة عمل مشتركة لمواجهة هذه الظاهرة، مع التركيز على تعزيز التعاون الأمني، وتبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بشبكات تهريب البشر، ولا سيما اتخاذ تدابير أكثر صرامة على الحدود، وتحسين التعاون في مجال الأمن الداخلي للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وذلك بما يتماثل مع الاتفاقية الموقّعة بين لندن وباريس في ذات الصدد. هذا وقد أوضح ستارمر أن هذه القضية تحتاج إلى معالجة جماعية، حيث يسعى البلدان الثلاث إلى تقليص تدفق المهاجرين غير الشرعيين، مشيراً في الصدد ذاته إلى أنه “فيما يتعلق بتنقل الشباب، من الواضح أننا كنا واضحين للغاية: لا سوق واحدة، ولا اتحاد جمركي، ولا حرية تنقل، ولا عودة إلى الاتحاد الأوروبي”.ومن أجل فوز لندن ببعض التنازلات التجارية مع التكتل، قد يتعين عليها التعامل مع المطالب الأوروبية الرئيسية، بما في ذلك اتفاق شامل بشأن حقوق الصيد، واتفاقية لمساعدة الشباب على التنقل بحرية أكبر عبر القارة، وبرنامج إيراسموس للتبادل الطلابي الذي انسحبت منه بريطانيا كجزء من خروجها من الاتحاد الأوروبي.5- تعزيز الاستثمارات الأوروبية للسوق البريطانية: في إطار زيارته إلى برلين، التقى رئيس الوزراء البريطاني بالرئيس التنفيذي لشركة سيمنز للطاقة، التي توظف ما يقرب من 100 ألف شخص، بما في ذلك أكثر من 6 آلاف شخص في المملكة المتحدة. وقد كان هذا اللقاء جزءاً من سلسلة من اللقاءات التي خطط لها ستارمر لتعزيز الاستثمار في المملكة المتحدة، وخلق المزيد من الوظائف ذات المهارات العالية في البلاد، خاصة وأن الشركات الألمانية تدعم بالفعل أكثر من 330 ألف وظيفة في المملكة المتحدة، في حين تدعم الصادرات البريطانية إلى ألمانيا 500 ألف وظيفة أخرى.كما التقى ستارمر بالرئيس التنفيذي لشركة راينميتال، أكبر شركة دفاعية وأمنية في ألمانيا، بهدف تنشيط التعاون مع الشركة التي تعمل على تحديث الجيش البريطاني؛ حيث قامت الشركة مؤخراً بتسليم مركبات بوكسر القتالية المدرعة. وفي فرنسا، التقى رئيس الوزراء البريطاني بقادة الأعمال الفرنسيين، بما في ذلك كبار المستثمرين في الاقتصاد البريطاني، وتحديداً المسؤولين التنفيذيين في شركة تاليس للتكنولوجيا، وشركة تشغيل الأقمار الصناعية يوتلسات، وشركة الأدوية والرعاية الصحية سانوفي، بهدف دعم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين.خلاصة القول، شكّلت زيارة كير ستارمر لألمانيا وفرنسا جزءاً من جهوده لتعزيز العلاقات الأوروبية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع التركيز على التعاون الأمني، والدفاعي، والاقتصادي، ومعالجة قضايا الهجرة غير الشرعية. وفي الوقت ذاته، أكد ستارمر عدمَ نيته العودة إلى الاتحاد الأوروبي أو عكس نتائج استفتاء البريكست. بيد أنه إذا كان ستارمر راغباً حقاً في بناء علاقة أوثق مع الاتحاد الأوروبي، فإنه يحتاج إلى الذهاب إلى بروكسل، وليس فقط إلى برلين وباريس. ولكن من المؤكد هنا أنّه على الرغم من التحديات العالقة بشأن إعادة بناء العلاقات البريطانية-الأوروبية، تعد زيارة ستارمر خطوةً بنّاءة وضرورية للسعي إلى تحقيق أقصى استفادةٍ من الوضع الراهن.
https://bawwababaalbeck.com/wp-admin