أخبار محلية

الاستراتيجية العظمى وموقع الولايات المتحدة منها.بقلم أ.هشام صفا

الاستراتيجية العظمى وموقع الولايات المتحدة منها.بقلم أ.هشام صفا.

ما بين التدبير والسياسة ومفاهيميها، تقبع حكمة القادة السياسيين ممن يليهم الأمر، وتتولد مفاهيم أخرى جديدة لعلم مختلف تحت اسم الاستراتيجا.يدعي الامريكيون أنهم طوّروا هذا العلم، فبعد أن كانت مفاهيمه تاريخياً مقتصرة في شأن الحروب وسياساتها، ومطالبه محدّدة في استخدام الاشتباكات لاجل تحقيق هدف الحرب ( تعريف كلاوزفيتز) ، أقدم العقل الغربي على ربط المفاهيم الاستراتيجية بكل العلوم من جهة ، وبتحديد مطوّر للاستراتيجية العسكرية من جهة أخرى.تاريخيا، يُعنى علم الاستراتيجية العسكرية باستخدام الاشتباكات على نحو تعبّئ لاجلها القوات العسكرية، أما حديثا فعلم الاستراتيجيا الحديث، والذي بات يحمل اسم الاستراتيجية الشاملة أو العظمى (grand strategy) ذهب في منحى آخر بحيث أن جانبه العملي وهو التعبية ( استخدام القوات المسلحة في الاشتباكات بحسب تعريف كلاوزفيتز للتعبية ) لم يعد مقتصراً على القوات المسلحة، بل تعداها لاستخدام كل الطاقات والموارد المدنية والعسكرية ، البشرية منها والمادية.لقد كشفت رسالة السماء عن تلك المفاهيم الحربية بذكر من قصة قائد تاريخي موحِّد و عظیم الشأن هو ذو القرنين، الذي واصل ضرباً في الأرض من مغربها حتى مشرقها سعياً إلى تحقيق العدالة ورفع الظلم عن أهلها، وإن المتأمل في آيات هذه القصة يدرك حقيقة كامل المفاهيم المرتبطة بحكمة القائد الذي وازى بين التدبير والسياسة بعلم وفنّ متقن أدى الى حلّ مستدام لمشكلة قومٍ راعهم ظلم قومين آخرين اتحدا ليفسدا في الارض ويهلكا الحرث والنسل هما يأجوج مأجوج.اقتضت حكمة القائد أن لا يبني سداً في منطقة السدّين التي وصلها كما اقترُح عليه، بل أن يجعل بين صدفيها ردماً مستحكَماً يصعب نقبه وتسهل حراسته من اعلى الردم، الا أن غاية الحكمة كانت بعد دراسة الحالة وادراك أن وجه الخطر كامن في اتحاد الأمتين وفي رغبتهما الجامحة نحو الأثَرَة واستغلال موارد الغير.من مقتضى الحكمة لدى القائد الفذّ، قدرته على تحويل التهديد الى فرصة، لذلك سعى ذو القرنين إلى حشر يأجوج ومأجوج خلف السدّ حتى اذا استيأسوا من اعتلائه أو اختراقه طمعوا بثروات بعضهم، فتدور دائرة السوء فوق رؤسهم وبذلك تزول الاخطار وتنتفي التهديدات، وهذا ما حدث فعلا.تعاني اليوم الولايات المتحدة من احتمال إمتلاك أوروبا للفكرة التي امتلكها ذو القرنين، وتخشى من اتحادها خلف حكمة قائد فذّ يستطيع توجيه طاقات وامكانات الاتحاد الاوروبي باتجاه عزل الولايات المتحدة خلف الاطلسي، فذلك سيؤدي إلى تأجيج الصراعات بين الكنفدراليات المتحدة ليصير حال الامة الأمريكية شبيه بحال ما قبل تأسيسها سنه ١٧٦٧.إن أي مسعى اوروبي نحو امتلاك عقيدة امنية منفصلة عن حلف شمال الأطلسي “الناتو” هو مسعى مرفوض بالمطلق في السياسة الامريكية، وان تأزم العلاقات بين اوروبا والولايات المتحدة منذ ولاية ترامب الاولى كان سببه سعي اوروبا برغبة فرنسية الى اطلاق مشروع الجيش الاوروبي في احتفال ذكرى تحرير باريس عام ٢٠١٩.إن من يظنّ أن عدو الولايات المتحدة الاول هو الصين أو روسيا أو حتى إيران هو واهم، فالتهديد المتربص بالولايات المتحدة هو في أصل التركيبة الصهيونية التي تقوم على استعمار الآخر، فالخطر الاساسي على العقيدة الصهيونية هو ذاتي المنشأ قبل ما هو موضوعي.إن حروب المستقبل حروب كيانات متحدة لا حروب دول، وقد بدأت ارهاصات هذا الشكل من الحروب بالظهور حديثاً، وعلى الرغم من أن الاستراتيجيا الشاملة قد تجعل من المعارك اکثر حسماً، إلا انها قد تقدم الحلول التي تجنب من يريد السلام من الغوص في أتون الحروب والمعارك كما هو الحال اليوم بين اوروبا وروسيا.يخاف الأمريكيون من أن ينفصل الأوروبيون عن حلف الناتو وتتحول طبيعة العلاقة بينهم وبين اوروبا إلى النديّة، وهنا فقد يُقدم الطرف الاورويي إلى بناء منظومة دفاع بحري تشبه في فكرتها منظومة السدّ الذي بناه ذو القرنين ليدمر يأجوج ومأجوج بأقلّ الاثمان، فهل نشهد على هذا في عصرنا ويكون شقاق الغرب سبباً في زوال الهيمنة الامريكية ؟!!.من واجب دول الشرق التي تواجه اطماع الصهيونية العالمية أن لا تألوا جهداً في استثمار كل الجهود والطاقات في فكرة حكيمة مماثلة لفكرة ذي القرنين التي راعت ظروف الاعداء الذاتية، ولم تغض النظر عن الظروف الموضوعية في صناعة الحرب وادارة الموارد، فكل مسعى من أي طرف مناوئ للصهيونية العالمية يردم تلك الهوّة ما بين امريكا واوروبا هو عمل غير حكيم عمليا، فالقضاء على الصهيونية يبدأ من فكرة تعزيز شقاق ذات بينهم قبل البناء على فكرة المواجهة بالمعارك، فتقديم الحلول في الاستراتيجيا الصحيحة لا بد وأن يأتي بالحلول الجذرية ولأبعد مدى ممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى