أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة قال فيها
“نهنئ المسلمين بحلول شهر رجب الاصب وذكرى ولادة الامام الباقر والامام الهادي، وندعو المؤمنين الى انتهاز فيوضات الرحمة الالهية في هذا الشهر المبارك شهر الرحمة الالهية، والتقرب الى الباري عز وجل بالدعاء والاستغفار والصلاة والصوم والتماس فرص الخير بالعمل الصالح الذي ينفع العباد ويحيي البلاد، ونطالب المؤمنين ان يكونوا من خيرة عباد الله الصالحين في سلوكهم ونهجهم وسيرتهم فيتقتدوا بالانبياء والمرسلين والائمة المعصومين”.
اضاف: “ان ذكرى ولادة الامامين الباقر والهادي مناسبة جليلة ينبغي الاحتفال بها بادخال البهجة الى قلوب المؤمنين واظهار النعمة التي منحها الله الى عباده بأن جعل الائمة المعصومين عليهم السلام قادة نورانيين يهدون الى الحق والصلاح والفلاح، فهم سفينة النجاة ومشكاة النور كما جدهم رسول الله الذي أخرج البشرية من ظلمات الجهل والظلم الى نور الايمان والعلم والفلاح، وخير احياء لذكرى ولادة هذين الامامين العظيمين يكون بحسن الاقتداء بهما والسير على نهجهما في الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والتزام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
وتابع: “لقد ربى ائمة اهل البيت شيعتهم على فعل الخير واحقاق الحق وانصاف الناس ونصرة المظلوم، ولهذا تعرضوا ما تعرضوا اليه من ظلم وحصار وعدوان وأذى من السفهاء والتشويه والاتهامات الباطلة، فكان اتباع اهل البيت أحرارا في دنياهم، أدوا واجبهم تجاه أمتهم حتى الشهادة ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولم يكن ايمانهم بالائمة تبعية عمياء. يقول تعالى في كتابه العزيز: ( وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من اناب ثم الي مرجعكم فانبأكم بما كنتم تعملون ) سورة لقمان – الاية 15”.
وأوضح ان “هذه الآية المباركة تتعرض في ما تتعرض له الى مسألة مهمة، وهي مسألة التبعية والامر باتباع سبيل من أناب بعد ان سبق ان اوصى سبحانه بالاحسان للوالدين فقال تعالى (ووصينا الانسان بوالديه احسانا ) فأمر بالاحسان اليهما وعدم التعرض لهما بالسوء ولو بأدنى درجاته كالتأفف منهما لما يصيرا اليه عند الكبر واحتياجهما للعناية بما يثقل على الانسان تحمله مما يشعرهما بالاذية النفسية ويزيد في معاناتهما، فلهما من الحق عليه ما يوجب ان يقوم بخدمتهما مهما كانت هذه الخدمة ثقيلة على النفس، ولكنه تعالى فرق بين موضوع التعامل معهما وكيفية مصاحبتهما وان يكون على النحو الذي قدمنا وبين مسألة الاتباع والطاعة لهما في مسألة الاعتقاد حيث يجب على الانسان ان يتبناها بمحض ارادته وعن قناعة تامة واعتقاد جازم من دون ان يكون لمسألة القرابة فضلا عن غيرها من الصلات الاخرى اي تأثير في تبنيها والتزامها لما لهذه المسألة من اهمية في حياة الانسان ومصيره، كيف وهي الاساس الذي يوجه الموقف من كل ما يواجهه من قضايا الحياة ويبني عليها احكامه من سائر القضايا التي يرى ان يتخذ منها موقفا سيختلف حتما تبعا للعقيدة التي اختارها”.
وقال: “من هنا، فإنه لا يصح حكما للانسان ان يتخذ اتجاها عقائديا مبنيا على التبعية لسبب عاطفي او لارتباط نسبي او سببي او لغير ذلك كالتعصب والهوى، انما ينبغي ان يستقل في ذلك وان يعمل فكره بعيدا عن هذه التأثيرات غير الموضوعية، فإن الاثار التي تترتب على ذلك يتحملها هو فقط دون غيره حتى من هم الاقرب اليه، ولا يقتصر ذلك على ما يباشره من افعال او اقوال او احكام في حق الآخرين، بل يعمل ما يقوم به الآخرون ممن ساهم معهم بقول او فعل ليكون شريكا لهم في احقاق حقٍ او ظلم ظالم كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام علي: “الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل إثمان: إثم العمل به، وإثم الرضا به”.
واعلن ان “هذا في من كان له في ذلك مصلحة دنيوية ابتغاها لنفسه والاسوأ منه من كان عمله لا يعود لنفسه بل للآخرين، كمن باع دينه بدنيا غيره فهو يعرف الحق فيبرر الظلم والعدوان او يباشره بالكذب والافتراء والاسقاط والتهم الكاذبة او يساهم في الترويج لها من دون تثبت وانما لهوى حزبي ظانا انه يحسن صنعا كما قال تعالى فيهم ( قل هل ادلكم على الاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا )، وهم الذين عناهم امير المؤمنين بوصفه الهمج الرعاع في قوله: “الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع يميلون مع كلِّ ريح، وينعقون مع كلِّ ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق”.
وقال: “لقد كان من المفترض ان تكون الوظيفة الاولى لاي مجموعة فكرية ان تعمل على توجيه هذه الفئة بالتوجيه والتوعية لبناء الشخصية على الوعي وادراك المسؤولية لتمتلك الوعي الكافي في تحمل المسؤولية ولتأهيلها الفكري على ان تأخذ خيارها في ابداء الرأي المسؤول وان تعمل على بناء الشخصية الفكرية المستقلة، ولكننا نجد في اكثر هذه المجموعات ان الهم الاساس هو تجميع الاعداد التي تحتاجها لتحقيق مصالحها متخذة من الشعارات الحقة سلما ترتقيه لتحقيق مصالحها التي نأت بها كثيرا عن الاهداف المعلنة لتجعل من الناس ادوات ترتبط بها بدل المبادئ والقيم التي نادت بها، وبدل ان تقوم بخدمة هذه القيم والاهداف وضعت نفسها بديلا لها وصار همها التجهيل والتحريف بدل التوعية والتثقيف”.
واعتبر الشيخ الخطيب “ان مشكلة لبنان هي في بعض مجموعاته الحزبية، التي بدل ان تكون في خدمة الوطن والمواطنين حولت مصالحها الى بديل لهما، تستخدمها لها وهي مستعدة لحرق الاخضر واليابس من اجل ذلك، وقد تحقق لها ذلك فعلا واستخدمت لذلك شعار الخوف على الطائفة وقسمت اللبنانيين على أساس طائفي كي يتسنى لها ذلك، ورفعت شعار نزع السلاح كمطلب لها تستخدمة كذريعة للمزايدات السياسية، ولم تقدم أي حل يقنع اللبنانيين الذين بحت اصواتهم وهم يطالبون الدولة ان تدافع عنهم ويقدمون الحلول لمساعدة الدولة في الحفاظ على سيادتها وابنائها وثرواتها، فيصم المسؤولون أسماعهم ويضعون الاغشية على عيونهم كي لا يروا ويتنكرون لكل الآم المتألمين الذين خسروا أرواح ابنائهم ودمرت بيوتهم وهجروا من ديارهم من دون ان يرف لهؤلاء جفن، فالامر لا يعنيهم، وهم متآمرون على الجنوب واهله وعلى لبنان ومصالحه، وآخر ما يفكرون به هو مصالحهم التي يخافون عليها من الدول الضاغطة لمصلحة الكيان الاسرائيلي”.
واكد “ان سلاح المقاومة شكل ولا يزال ضمانة لردع العدوان الصهيوني وابعاد خطر الارهاب التكفيري، وقد وفر هذا السلاح الارضية المناسبة لجلب الاستثمار الى لبنان، بعد ان دحر الارهابين الصهيوني والتكفيري ودفع خطرهما عن كل اللبنانيين وجنب لبنان المزيد من الكوارث والنكبات، وهنا نسأل مدعي السيادة ماذا قدمتم الى اللبنانيين غير التحريض على المقاومة وسلاحها، وفيما كنتم تدمرون البنية الاقتصادية وتسهمون في تجويع اللبنانيين في نهبكم للمال العام كان ابناء الارض المقاومون يبذلون ارواحهم ودماءهم فداء لكل اللبنانيين و لحفظ لبنان المهدد اليوم بالخلايا التكفيرية النائمة والعصابات الصهيونية التي تتربص الشر بكل اللبنانيين، ما يؤكد من جديد ان لبنان ما يزال مهددا من هذين العدوين الذين يتماهيان في الاهداف ويتكاملان في ضرب لبنان وزعزعة امنه واستقراره، وهنا ننوه بجهود وسهر الجيش والقوى الامنية والمقاومة في معركة الدفاع عن لبنان ودفع الاخطار عنه”.
وقال: “ونحن اذ نشدد على ضرورة ان تتحمل الدولة مسؤوليتها في حسن رعايتها لشعبها وتوفير مقومات العيش الكريم واللائق لهم، ونرفض فرض اي ضرائب ورسوم جديدة تطال الفقراء ونطالب بحل جذري يعيد اموال المودعين المحتجزة في المصارف ونرفض اي صيغة حل تكون على حساب جنى عمرهم، فالدولة مسؤولة عن تغذية خزينتها باسترداد الاموال المنهوبة من الرشى والفساد والصفقات المشبوهة، ومن غير المقبول ان يتحمل عامة الناس وزر الانهيار الاقتصادي، وهنا نجدد الدعوة للاجهزة الرقابية والقضائية بتكثيف الجهود لمكافحة الاحتكار والغش الذي ينهش اللبنانيين في لقمة عيشهم ودوائهم، والامر العجيب الغريب ان سعر صرف النقد الوطني يتحسن فيما ترتفع اسعار السلع الاستهلاكية دون مبرر منطقي بدل ان تنخفض، وبالتالي يظل المواطن فريسة جشع التجار المحتكرين دون اي تحرك يلجمهم”.
اضاف: “ان الوضع المعيشي الكارثي والازمات المتتالية والمتكررة من أزمتي الغذاء والدواء وغلاء الاسعار وانقطاع الكهرباء في ظل البرد القارس يشكل حافزا اضافيا امام الحكومة لتقوم بواجباتها في التخفيف عن المواطنين المنهكين اصلا من تراكم الازمات المعيشية فتبادر وبشكل عاجل الى توفير الغذاء والمشتقات النفطية الى مستحقيها وتؤمن الكهرباء وتلجم ارتفاع اسعار الاشتراكات لتخفف من معاناة المواطنين، وهنا نجدد الدعوة الى الميسورين والاغنياء لتجسيد تضامنهم الوطني والانساني والديني مع الفقراء والمرضى والمحتاجين، فيمدوا يد العون لهم من منطلق ايماني واخوي يجسدون من خلاله حسهم الوطني والايماني”.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم.
والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. صدق الله العلي العظيم “