العملية العسكرية المرتقبة شمالي سوريا تهدد بمواجهة بين تركيا وإيران
يبدو أن تركيا وإيران تتجهان إلى مواجهة في سوريا بسبب تضارب المصالح الإقليمية، حيث تعارض طهران صراحة خطة أنقرة لشن عملية عسكرية جديدة ضد المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، باعتبار أن ذلك يهدد نفوذها ومصالحها في الأراضي السورية.
وقد فشلت تركيا في الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة للمضي قدمًا في الخطة فيما تبدو روسيا مترددة. في غضون ذلك، أرسل الإيرانيون تعزيزات للميليشيات التابعة لها في منطقتين (شمال غرب حلب) ليستا بعيدتين عن المنطقة الرئيسية التي تستهدفها أنقرة، فيما تستمر المحاولات الإيرانية لإقناع تركيا بالتراجع عن هذه الخطوة.
وكان من المتوقع أن يجري وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” محادثات في تركيا في 6 يونيو/حزيران قبل يومين من زيارة وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، لكن الرحلة ألغيت بسبب ما وصفته الصحافة الإيرانية بمشاكل قي ترتيب المواعيد. وقال صحفي إيراني مهتم بالعلاقات التركية الإيرانية إن طهران أرسلت مسؤولاً في المخابرات العسكرية إلى أنقرة لنقل اعتراضاتها على العملية العسكرية المرتقبة.
وأصبح مفهوم “التنافس” أقل ما يقال في وصف العلاقات التركية الإيرانية. وقد تعمقت الخلافات بين الجارتين وسط التطورات المتلاحقة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، إلى جانب الخلافات حول تقاسم المياه وتدفق اللاجئين الأفغان من إيران إلى تركيا.
وقد دعم الطرفان الأطراف المتعارضة في أزمة تشكيل الحكومة العراقية وتنازعا على النفوذ في الموصل وكركوك وسنجار. ودفعت طهران القسم الشيعي من الأقلية التركمانية لتقسيم الحليف الرئيسي لأنقرة في العراق. ونددت إيران بملاحقة تركيا لمسلحي “حزب العمال الكردستاني” فيما هاجمت الميليشيات المدعومة من إيران قاعدة تركية هناك وسط اتهامات تركية بأن إيران تدعم “حزب العمال الكردستاني” سرا.
علاوة على ذلك، اقتربت أنقرة من المحور العربي الإسرائيلي على حساب إيران وعادت لإرضاء السعوديين في اليمن كجزء من جهود التطبيع مع الرياض.
وفي ضوء هذه الخلفية، انتقدت الخارجية الإيرانية خطط تركيا لشن عملية عسكرية جديدة شمالي سوريا، محذرة من أنها لن تؤدي إلا إلى تفاقم التوترات والمعاناة الإنسانية في البلاد. ولا يخفى على أحد أن الوجود العسكري التركي في سوريا (نتيجة لـ3 عمليات منذ أغسطس/ آب 2016) يمثل مصدر قلق لإيران بشكل أكبر من روسيا.
وقد وصفت وسائل الإعلام الإيرانية وجود تركيا بأنه “غزو” وأشارت إلى أعضاء الجيش السوري الحر، الحليف لتركيا، على أنهم “إرهابيون تدعمهم تركيا”. واتهمت هذه الوسائل الإعلامية تركيا بالسعي لإحداث تغييرات ديموغرافية على حساب الأكراد، وتوسيع مساحة “الإرهابيين” تحت غطاء المناطق الآمنة، والسعي وراء مكاسب لاستخدامها ضد دمشق في محادثات مستقبلية أو تمهيد الطريق لضم الأراضي السورية.
في المقابل، استخدمت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية وصف “الإرهابية” للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في سوريا والعراق.
وقد حدد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” تل رفعت ومنبج باعتبارهما الهدف الأولي من العملية المرتقبة، من شأن ذلك أن يعرض التجمعات الشيعية القريبة في الزهراء ونبل وكذلك مدينة حلب للخطر، وبالتالي فإن اعتراضات طهران الخطابية وجهودها التعزيزية في المنطقة ستزداد.
وتعليقًا على خطة التدخل التركية، قال المتحدث باسم قوات النظام السوري “يوسف حمود” إنه يتوقع أن تقاوم إيران سياسيًا وعسكريًا، كما يتضح من الدعم العسكري الذي قدمته في المنطقة. وأضاف أن جميع قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها في المنطقة يتلقون مساعدة من مستشارين من الحرس الثوري الإيراني ويمكنهم التدخل عسكريا. وفي مقابلة مع “رويترز”، قال “حمود” إن النظام السوري والميليشيات الإيرانية يرسلون تعزيزات إلى “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تعهدت أنقرة بطردها من تل رفعت.
في غضون ذلك، ذكرت وكالة أنباء “الأناضول” التركية أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران حاولت نشر صواريخ “جراد” في المنطقة في 30 مايو/أيار، لكن القوات الروسية منعتها. وأكد مصدر كردي لـ “المونيتور” أن الروس حذروا “وحدات حماية الشعب” الكردية من الخطوة الإيرانية.
واتخذت إيران خطاً متشدداً مشابهاً ضد عملية “غصن الزيتون” في عام 2018 والتي سيطرت تركيا خلالها على عفرين. وتم إرسال مسلحين شيعة لمساعدة الأكراد في عفرين لكن تم استهداف قافلتهم بغارة جوية تركية على الطريق. ونسق الأكراد مع الميليشيات المدعومة من إيران في منطقة حلب رغم أنهم يرون أن هذه المليشيات ستمثل تهديدًا رئيسيًا في حالة حدوث فراغ في السلطة في مناطق شرق الفرات.
هل يمكن لإيران أن تذهب أبعد من ذلك الآن وتخاطر بمواجهة مع تركيا؟ وفقًا للصحفي الإيراني، فإن تركيا “تدرك جيدًا” أن إيران ستدافع عن الزهراء ونبل، بالرغم أن إيران تجنبت المواجهة المباشرة مع تركيا في سوريا حتى الآن، باستثناء المشاركة الإيرانية في هجوم عام 2020 في إدلب الذي أدى إلى استعادة دمشق السيطرة على الطريق السريع “إم5”.
وبالرغم من أن أنقرة لم تذكر الزهراء ونبل كأهداف، إلا أنها ستقع في نطاق تركيا إذا سيطرت على تل رفعت. ويُنظر إلى المكانيين وتل رفعت على أنهما حاجز يحمي حلب. وتقع تل رفعت على بعد 27 كيلومتراً شمال حلب، بينما تقع كل من نبل والزهراء على بعد أقل من 20 كيلومتراً من المدينة.
وتتخوف إيران من سيناريو مشابه للحصار الذي نفذه تنظيم “هيئة تحرير الشام” لمدة 3 سنوات على بلدتي الفوع والكفريا الشيعيتين في إدلب. وقد تم إجلاء السكان المحليين في 2018 مقابل الإفراج عن 1500 من معارضي النظام في السجون السورية.
وظلت الزهراء ونبل نفسها تحت الحصار من قبل قوات المتمردين، بما في ذلك “جبهة النصرة”، سلف “هيئة تحرير الشام”، من 2013 إلى 2016.
وفي فبراير/شباط 2016، حاولت تركيا دون جدوى منع قوات النظام السوري و”وحدات حماية الشعب” من الاستيلاء على تل رفعت ومحيطها عبر تعبئة الجيش السوري الحر وحتى نقل المقاتلين الإسلاميين من إدلب إلى شمال حلب عبر الأراضي التركية.
ولم تكتف قوات النظام بفك حصار الزهراء ونبل، بل قطعت الطريق المؤدية إلى الحدود التركية، والتي كانت تدعم قوات المعارضة في حلب. وفي النهاية، استعاد النظام المدينة بأكملها. واليوم، تمنع السيطرة الكردية في تل رفعت ومحيطها مقاتلي المعارضة في إدلب من العبور إلى جيب درع الفرات الخاضع للسيطرة التركية والوصول إلى حلب.
ومع إدراك الجميع لأهمية المنطقة، تتزايد الشكوك والمخاوف من أن أهداف أنقرة قد تتجاوز إضعاف الأكراد. وبحسب مصادر مختلفة، فإن مجموعات محلية مدربة ومجهزة من قبل “حزب الله” وجماعات شيعية ترعاها إيران مثل “فاطميون” و”هاشميون” و”زينبيون” تتواجد في الزهراء ونبل. وبحسب ما ورد يتم التنسيق بينهم من قبل الحرس الثوري الإيراني الذي لديه مقر في المنطقة.
وتشير وكالة “مهر” الإيرانية إلى أن بعض الثوار السوريين يرون في خطة التدخل التركية وسيلة للتقدم إلى حلب، وحذرت من أن قرب تل رفعت من الزهراء ونبل يمكن أن يثير “محور المقاومة” و”يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لأردوغان”.
وتقدم تركيا 3 مبررات للنظر إلى تل رفعت كهدف. أولاً، تستخدم “وحدات حماية الشعب” المنطقة لشن هجمات على عفرين وجيب درع الفرات الخاضع للسيطرة التركية. ثانيا، تقول أنقرة إن 250 ألف شخص (فروا من تل رفعت في عام 2016) يريدون العودة. ثالثًا، توفر تل رفعت 60% من مياه الشرب في المنطقة.
وقد تكون الاتصالات الروسية المستمرة مع تركيا بمثابة ضمانة لتقليل مخاطر المواجهة بين القوات التركية والقوات الإيرانية السورية، لكن طهران تشعر أنه جرى تهميشها في “عملية أستانا” (تضم تركيا وروسيا وإيران) بشأن سوريا.
وقد تقوض الأجواء المتوترة “عملية أستانا” برمتها حيث تستعد الأطراف الثلاثة لعقد الجولة الثامنة عشرة من المحادثات في وقت لاحق من هذا الشهر. فهل يمكن أن تقفز تركيا إلى العملية العسكرية فجأة وتقلب الطاولة قبل الاجتماع؟ في ظل الأجواء الحالية، يبقى كل شيء احتمالا واردا.
المصدر | فهيم تستكين | المونيتور