غياب عباس، وتعقيدات المشهد.
كتب عاطف أبو موسى
منذ أن تولى محمود عباس رئاسة السلطة يناير/2005م كان أحد الرهانات الرابحة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي رأت فيه الكثير من الصفات التي تؤهله لخوض غمار مرحلة ما بعد ياسر عرفات، رغم أن الكثير من أقرانه كانوا على (الندهة) جاهزين لاستلام المنصب، إلا أن لأمريكا، والقوى الاقليمية، لها رأي آخر بأن قاموا بدعمه حتى وصل إلى ما وصل إليه، حتى بعد انتهاء ولايته في يناير/2009م أوعزوا للمجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية بتمديد ولايته الرئاسية لحين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
وبرغم الجهد الحاصل من خلال الإقليم، والتدخلات الدولية، والصهيونية، ومسابقتهم للزمن في محاولة يائسة لتثبيت خليفة لعباس يقود المشهد الوطني خشيةً من تقدم القوى الفلسطينية ذات الحضور الأكبر مثل حركة حماس، إلا أن الشعب الفلسطيني، وقواه الحية سيُسقط هذه المعادلة، ولن يتعامل مع أي شخصية يتم تنصيبها من قِبل الإقليم، والاحتلال الصهيوني، وبعض الأنظمة العربية التي ارتضت أن تدور في هذا الفلك، ويمكنه قلب الطاولة على رأس جميع الأطراف.
في هذا السياق نستعرض أبرز التحديات التي ستقف حائط صد أمام تنصيب خليفة مُحتمل لعباس على الشعب الفلسطيني:
أولاً/ الغضب الكبير الذي يعتري الشعب الفلسطيني، وكل قواه السياسية، والشعبية، لمعادلة الاملاء، وفرض الأمر الواقع عليه، والذي شطبه من ذاكرته منذ زمن، ورَفض كافة الاملاءات التي فُرضت عليه، وعدم قبوله بالوصاية، وانحيازه الدائم للقضايا الكبرى، والثوابت الفلسطينية.
ثانياً/ الرفض التام من قِبل فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتهم حركة حماس لفرض وقائع على الأرض، وتنصيب أي شخصية على مزاج الاحتلال الصهيوني، ومعه الإقليم الذي يرى فيه مصالح، ومكاسب تعود عليه حتى ولو عادت بالضرر على القضية الفلسطينية.
ثالثاً/ الصراع البيني داخل حركة فتح، والذي بدأ يطفو على السطح، حيث أن حسين الشيخ هو رجل المنظومة الأمنية الصهيونية، وهو بمثابة ضابط للمنطقة سيقوم بتنفيذ التوصيات، والتعليمات ممن قام بتنصيبه، الأمر الذي أدى لاقتناع جزء من القيادات الوازنة في حركة فتح بأنه لا يصلح لهذا المكان، وأنهم أولى منه، وبالتالي لن يتعاملوا معه، وهذا يُنذر بتراشق إعلامي بدايةً، ثم يتطور إلى صراعات علنية، واقتتال داخلي متصاعد.
حتى اللحظة الإقليم، ومعهم الاحتلال الصهيوني، والولايات المتحدة الأمريكية مع محمود عباس لأنه قام بكل ما هو مُناط به، فقد حارب المقاومة، وحاصر غزة، وقطع الرواتب، وفصل المعارضين، وفعل كل ما بوسعه حتى يظل رابضاً على كرسي الرئاسة، ولأن الوضع في فلسطين قضية مهمة بالنسبة للإقليم، ولأمريكا ولا يمكن أن يتركوا الأوضاع للظروف، أو للصدفة فقد عملوا على تعيين الوريث المحتمل، والأكثر طواعية في يدهم حسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشئون المدنية، أميناً لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حتى يكون جاهزاً في حال شغور منصب الرئيس، والذي سيكون ربما في الأيام القادمة، أو حتى الأسابيع القادمة.
لذلك في اعتقادي أن الوضع بعد غياب محمود عباس عن المشهد سيتأزم، وأن الوضع السياسي، والميداني في فلسطين لن يستقر، وذلك بسبب وصول الصراع بين مشروعين في المنطقة إلى الذروة، لذلك سيسعى كل مشروع لفرض أجندته السياسية على الساحة الفلسطينية:
الأول:
العدو الصهيوني، والإقليم، وبعض الأنظمة العربية، والذي قام بترتيب أوراقه منذ فترة، وقام بتعيين حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لتكون الطريق ممهدة لاستلام مهام منصب الرئيس، في ظل معارضة شديدة من أقطاب حركة فتح، لذلك ستسعى المؤسسة الصهيونية لتثبيت حسين الشيخ، لإكمال ما بدأه محمود عباس منذ ١٥ عام، أملاً في حماية المشروع الصهيوني، ولما له من إسهامات في محاربة المقاومة، والذي بدوره سيقوم بقيادة المنطقة لتسوية جديدة مع الاحتلال الصهيوني، ويُسلم ما تبقى من فلسطين مقابل وعود كبيرة لن يتحقق منها سوى بعض الامتيازات، وكثير من الأموال.
الثاني:
فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس، والعديد من التيارات الرافضة لنهج عباس، وذلك لفرض شخصية وطنية من خلال التوافق، أو الانتخابات، لذلك ستكون قوى المقاومة على أهبة الاستعداد لليوم التالي من غياب عباس عن المشهد، وستقوم بتعبئة الفراغ الذي سيكون في الساحة، عبر العديد من الآليات، والاجراءات التي ستتخذها أقلها تثوير الشارع الفلسطيني بوتيرة أعلى من السابق، وعدم الرجوع لنقطة ما قبل التثوير إلا بقبول كل قوى المقاومة ما ستؤل إليه الأمور، وأعلاها وضع القطار على قضبان السكة عبر عودة الكل للقانون الأساسي الفلسطيني، والذي تنص فيه المادة ٣٦ على تولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة مدة ٦٠ يوماً، في حال شغور منصب الرئيس، يدعو فيها لانتخابات رئاسية خلال المدة القانونية الممنوحة له، وفي تقديري لن تسمح المؤسسة الصهيونية، والدول الاقليمية، بهذا الطرح عبر وجود حركة حماس على رأس السلطة، وهي التي كانت تحاربها كي لا يكون أحد عناصرها عضواً في مجلس بلدي.
الأمر اللافت، وهو أن الفترة التي ستأتي بعد غياب الرئيس عباس فترة عصيبة، لأنه لم يترك مجالاً لتطبيق القانون الفلسطيني، فقد قضت المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي بتاريخ 22/12/2018 والدعوة لإجراء انتخابات برلمانية خلال ستة أشهر، لأن القانون الفلسطيني يعطي الحق لرئيس المجلس التشريعي بتسيير الدولة، والدعوة لانتخابات خلال 60 يوماً إلا أن هذا لن يحدث.
وفي خطوة غير متوقعة قام الرئيس محمود عباس بتاريخ 11/06/2022 بالاجتماع مع مساعد وزير الخارجية الأمريكية باربرا ليف ليقول أنه ما زال حي، وأنه ما زال على رأس السلطة يمارس صلاحياته المعتادة، وباعتقادي أنهم قاموا بنشر الاشاعات عن وفاته في الأيام القليلة الماضية لجس النبض، وللكشف عن الخطط، أو الاقتراحات، أو الخطوات التي من شأنها ترسيخ حضور قوى المقاومة، بعد غياب الرئيس، ولكشف النوايا على كل الصُعد تبدأ من القيادات الفتحاوية في المقاطعة، مروراً بالتنظيمات الموالية لفتح، وليس انتهاءً بقوى المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، الأمر الذي لم يأتي على هواهم، فقد التزمت الصمت قوى المقاومة، وعلى رأسها حماس ولم تقم بالإدلاء بأي تصريح، لذلك لم تنجح الاشاعة التي أطلقوها في إخراج ما في جعبة المقاومة، أو المعارضة، لذلك أقول بأن قوى المقاومة، وحركة حماس تحديداً نجحت في الاختبار، ولم تُعلق بأي كلمة.
ومن أجل أن لا يتكرر المشهد الفوضوي الذي قاده محمود عباس طيلة الأعوام السابقة، والذي كان يُمسك بكل الصلاحيات، والمناصب، والمسميات سيكون الشعب الفلسطيني، وفي مقدمته فصائل المقاومة قادراً على فرض المعادلة الوطنية التي تربح فيها فلسطين، وتخسر فيها كل المكونات الرافضة، وسَيُسقط كل الرهانات المشبوهة، وأن كل محاولات الوصاية على الشعب الفلسطيني ستبوء بالفشل، ولن تتمكن كل قوى الشر من تغييب القضية الفلسطينية عبر تنصيب أحد أزلامها في المنطقة.