هدفا الولايات المتحدة الحقيقيان في الحرب الأوكرانية
مقابلة خاصة، عبر أثير راديو “كومسومولسكايا برافدا”، بتاريخ 13 حزيران/ يونيو 2022، يجيب فيها الخبير العسكري والسياسي الروسي الشهير، ميخائيل أونوفرينكو، عن أسئلة إيغور ياكونين وسيرغي ماردان. هذا نصها.
– بمَ واجهت القوات المسلَّحة الأوكرانية العملية العسكرية الخاصة في بدايتها، وما هو مقدار المعدات العسكرية الغربية التي كانت تمتلكها آنذاك، وماذا في حوزتها الآن؟
حتى شباط/ فبراير، كانت كييف تلقَّت الحد الأدنى من المعدات. يتعلق الأمر، بصورة أساسية، بعدة مئات من أنظمة “جافلين” المضادة للدبابات. زوَّدوا كييف بأنظمة مضادة لبطاريات المدفعية، خفيفة الوزن، من تلك التي يستخدمها مشاة البحرية، وبكميات محدودة. كانت الشحنة الأولى عبارة عن 3 قطع (دمّرت وحدات الدونباس واحدة، واستولت على الثانية. أمّا الثالثة فاختفت).
– لكن، بعد 24 شباط/ فبراير، هل تغير الوضع بصورة كبيرة؟
حدثت عمليات تسليم هائلة لأنظمة الصواريخ المحمولة المضادة للدبابات والطائرات. نحن نتحدث عن آلاف الأنظمة في كل موقع، ومنها أسلحة قتالية وأخرى مضادة للطائرات المحلّقة على ارتفاعات منخفضة. وأُشبعت احتياجات القوات المسلحة لأوكرانيا تماماً. نعم، المقذوفات الموجودة في عدد من الأنظمة المضادة للدبابات قديمة، إذ كانت مخزَّنة في المستودعات منذ فترة تتراوح بين خمسة أعوام و20 عاماً، وكانت تنتظر التحديث.
– ماذا عن العربات المصفَّحة؟
في البداية، زوّد الغرب أوكرانيا بالمخلفات الموجودة في مستودعات دول حلف وارسو. وحظيت بولندا بالنسبة الأكبر. بالنسبة إلى البلدان الأخرى، نتحدث عن عشرات الوحدات من جمهورية التشيك وسلوفاكيا، بحيث أُرسلت المدافع التشيكوسلوفاكية الذاتية الدفع، “زوزانا”، وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة، بكميات لا يمكن أن تؤثّر حقاً في الوضع في جبهة الدونباس، حيث يبلغ طول الجبهة 115 كيلومتراً.
تحاول هيئة الأركان العامة إقناع زيلينسكي بضرورة سحب القوات من سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك إلى كراماتورسك وسلوفيانسك، من أجل تقصير خط الجبهة، لتتمكن من حماية المدن. هذه هي نظرية المدينة – الحصن. لكن، عندما تكون الجبهة على بعد 115 كيلومتراً، فإن جميع الإمدادات الغربية هنا غير قادرة على التأثير، بصورة خطيرة، في مسار العمليات الحربية.
– هل يدركون ذلك؟
اعترف الخبراء الغربيون، وقائد مجموعة سيفير، بأن الجيش الروسي يطلق بين 4000 و8000 قذيفة يومياً في هذا القطاع من الجبهة. كيف يمكن أن تؤثر عشرة مدافع مقدَّمة من جمهورية التشيك أو سلوفاكيا في ذلك؟ مستحيل. لكنّ مئة أو مئتي دبابة مقدَّمة من بولندا قد يكون لها تأثير.
– ماذا عن الأسلحة الحديثة؟
منذ ثلاثة أسابيع، كان هناك حديث عن توريد صواريخ مضادة للسفن إلى أوكرانيا. لكن، عندما يصل شيء منها إلى نظام كييف، يُعرَض على الفور. على سبيل المثال، توجد دبابات “أوبلوت” في الخدمة، يتراوح عددها بين أربع وست دبابات، وجُمعت من قطع قديمة. وبمجرد ظهورها في الدونباس عُرضت عبر الشاشات على الفور، كأنها انتصار لكييف. وهكذا، بمجرد وصول صاروخ مضاد للسفن إلى منطقة أوديسا أو نيقولاييف، سيعرضونه بالتأكيد، ويقولون: انظروا ماذا لدينا الآن!
– مَن يمكننا أن ندرج في عداد “كبار المورّدين”، إلى جانب البولنديين؟
يقول أولكسي أريستوفيتش (مستشار الرئاسة الأوكرانية) إنه لم يتم تسليم 5000 خوذة، كانت برلين وعدت بها كييف قبل الحرب. أعلنت إسبانيا شحن 40 دبابة “ليوبارد”، لكن برلين حظرتها. استخدمت سويسرا حق النقض ضد تصدير أي أسلحة وذخيرة إلى كييف. وهذا يضع حداً لتوريد الأنظمة الألمانية المضادة للطائرات، “غيبارد” (نظيراً لها، لدينا أنظمة “سيبكا” ذات الماسورة المزدوجة). الغرب لن يساعد بجدية نظام كييف. كان يمكن أن تقوم 50 دولة، وبينها أكبر مصدّري الأسلحة في العالم، بحل مشكلة إمدادات الأسلحة الضخمة لنظام كييف في غضون ثلاثة أشهر ونصف شهر.
– لكنهم لن يقوموا بذلك؟
نهاية الخريف وبداية الشتاء في العام الماضي، كان يناقش موعد الاشتباك العسكري بين روسيا وأوكرانيا. وكان هناك عدد من الخطط. الآن، تخسر كييف الحرب أمام روسيا. كيف يمكنهم المساعدة؟ بالمال؟ إنهم لا يقدمون أبداً أموالاً حقيقية، فهذه الأموال تذهب لتغطية المجمع الصناعي العسكري، وفي مقابل الأسلحة نفسها التي يزودون كييف بها… طبعاً، كان في إمكانهم إرسال آلاف الدبابات وأنظمة الصواريخ، وأن تكون في الجبهة الآن. في الواقع، الولايات المتحدة لا تهتم بأوكرانيا. إنها تستخدمها فقط أداةً من أجل منع اتحاد الصين وروسيا… والاتحاد الأوروبي. لهذا، انسحبت إنكلترا أيضاً من الاتحاد الأوروبي. كان من الضروري إضعاف أحد المنافسين الاقتصاديين الرئيسيين: الاتحاد الأوروبي، من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ومن حيث القدرات الحقيقية، من أجل عدم تمكينه من اللحاق بالولايات المتحدة. كان من الضروري إدخال عنصر مخلّ في الآلية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وكذلك الصين.
– وما هو السيناريو الذي يفكرون فيه عبر عدم تزويدهم كييف بالحجم الملائم من السلاح؟ هل هُزمت أوكرانيا فعلاً، أَم ماذا؟
إنهم يفكرون في خيار معقول تماماً. لو كان شعار “كل شيء للجبهة، وكل شيء من أجل النصر” صحيحاً، لوفروا الأسلحة الموضوعة في الخدمة لديهم، إلّا أنهم يتحدثون حتى عن عدم إمكان توريد طائرات “ميغ 29” السوفياتية حتى، على الرغم من توافر قطع الغيار لها. الغرب لديه كثير من الطائرات الهجومية، والطائرات القادرة على حمل عدة أطنان من الأسلحة، وصواريخ جو – أرض. واستخدمها في أفريقيا وآسيا، لكنه لا يزود بها نظام كييف.
– دعنا نحدد: في أوروبا، هل ألمانيا هي التي تُعَوِّق توريد الأسلحة الثقيلة؟
اتضح أن ألمانيا هي التي تبطّئ باستمرار عملية توريد الأسلحة. على سبيل المثال، تكتب “دير شبيغل” عن هذا الأمر، مشيرة إلى اتفاقية معينة تفيد بعدم تزويد نظام كييف بأسلحة غربية محددة. إنهم يتحدثون عن ناقلة الجند “أم 113″، مع أن هذه الناقلة هي عبارة عن تابوت بالنسبة إلى الجنود. ونرى في الواقع أن كييف، بالنسبة إلى الغرب، ليست منطقة روبيكون (الإيطالية)، التي يُحتَّم ألّا يتجاوزها الاندفاع الروسي نحو الحضارات الغربية.
– هل ستصل الصواريخ المضادة للسفن فعلاً؟
نعم، وكذلك المعدات الثقيلة. وسيستمر تسليم الطائرات السوفياتية الصنع. وستصل دبابات “ليوبارد” القديمة، و”ماردور” أيضاً، إلى الجبهة. هنا، لا يمكن لليونان توفير مركبات القتال الألمانية القديمة للمشاة، حتى تحصل في مقابلها على مركبات جديدة. لكن، بالنظر إلى أن من المحتمل استمرار الأعمال الحربية أكثر من شهر، فسيبدأُون تسليم هذه المعدات إلى كييف. المسألة تتعلق بإطالة أمد الصراع، والتأكد، في النهاية، من أن المناطق التي ستخضع لسيطرة روسيا تكون قد دُمّرت قدر الإمكان. أمّا الغرب فيرغب في إنفاق الحد الأدنى، ولا يرغب فعلاً في منح كييف 40 مليار دولار، بل ستذهب هذه الأموال إلى مصنِّعي الأسلحة في الغرب. وهو يريد روسيا أكثر ضعفاً، وأن يكون لديها أكبر عدد من المشاكل مع المناطق التي سيطرت عليها. وأفضل سلاح يمتلكه الغرب هو عدم التخلي عن نظام كييف. ماذا لو كان الصراع المقبل في دول البلطيق، أو في بولندا؟
– هل يدرك نظام كييف كيف يعاملونه حقاً؟
نعم. لكن، إذا تراجعنا خطوة، ونظرنا إلى موقف نظام كييف تجاه قواته المسلحة نفسها، فسنرى الشيء نفسه. هذا النظام ألقى عدة آلاف من المقاتلين المدرَّبين والمتحفزين في “آزوفستال”. تركهم هناك ليُذبحوا. لو لم يستسلموا لتحقق له ذلك. كان سيجعل منهم أبطالاً شهداء سقطوا في الدفاع عن حدود الحضارة الغربية.
– هل سيتكرر الأمر في مصنع “آزوت” في سيفيرودونيتسك الآن؟
طبعاً، لا أحد يشك في أنهم هم أنفسهم فجَّروا جسر الهروب. نشروا المرتزقة والقوات الخاصة ووحدات النخبة هناك. لأجل ماذا؟ ليستشهدوا “في سبيل القداسة”. لا تراجع إلى ليتشانسك. “يجب عليكم أن تموتوا دفاعاً عن قضيتكم”. بهذه الطريقة، تعامل كييف جنودها؛ بالتجاهل نفسه الذي يعاملها الغرب به.
في المقابل، يحاول الروس عدم إطلاق النار على المناطق السكنية، من أجل تقليل الخسائر بين السكان المدنيين. أمّا الساسة المدعومون من بريطانيا والبنتاغون في كييف، فيحاولون أن تستمر الحرب إلى أطول مدة ممكنة. لم يتمكنوا من تنفيذ السيناريو في ماريوبل. لذا، سيحاولون تنفيذه في سيفيرودونيتسك. نعم، حدث الأمر نفسه مع جزيرة “زميا”.
– في مقاطعة خيرسون، أُلغيت الديون على القروض للبنوك الأوكرانية. هل هي خطوات لنيل ولاء السكان؟
إنها مرحلة الانتقال إلى الحياة العادية (تحت السيطرة الروسية). في الأسابيع الأولى، لم يحاول أحد حتى إزالة الرموز الأوكرانية. ووقعت بعض المشاكل، على الرغم من تقدم القوات المسلحة بنجاح. والآن، شُكِّلت إدارات مدنية – عسكرية في البلدات والمدن. هذا معمَّم بصورة منظَّمة، وأُعلن، في أعلى المستويات، أن المناطق المحرَّرة لن تُعاد أبداً، وتحت أي ظرف من الظروف. ستكون جزءاً من “العالم الروسي”.
– لماذا يوجد مثل هذا التطور السياسي المتسارع في هذه المناطق في الوقت الحالي؟
من الممكن مناقشة هيكل الدولة. يتحدث البعض عن استفتاء بشأن دخول هذه المنطقة أو تلك للاتحاد الروسي، وآخرون يتحدثون عن أن الاندماج في المقاطعات سيكون وفق طرائق متعددة، منها إلغاء الديون للبنوك الأوكرانية، وإدخال رموز النصر المتمثلة بالألوان الروسية الثلاثة، وعبر وسائل أخرى كثيرة، بما في ذلك دخول المقاطعة في منطقة الروبل. هنا، لا يهم الناس شكل الحكومة بالفعل. أمّا المهم، بالنسبة إليهم، فهو أن يعرفوا أن الأرواح الشريرة الكامنة في اللون الأصفر لن تعود إلى هنا أبداً. في الحياة اليومية، بدأ السكان المحليون يعتادون على الأسعار في المتاجر، والقدرة على الدفع بالروبل، ويتلقون المساعدات الإنسانية. للمرة الأولى في الأشهر الأخيرة، توقف الناس عن القلق بشأن موضوع المفاوضات بين موسكو وكييف. لقد فهم الجميع أن القرار اتُّخِذ، وأن روسيا ستبقى إلى الأبد. يريد الناس بطبيعة الحال العيش في روسيا. إنهم يدركون أن هذه هي معاشات التقاعد الروسية، ومستوى المعيشة والتمويل الروسيَّين. يريد الناس أن يعيشوا بسلام وأمان، لكنّ همهم الأول هو عدم رغبتهم في العيش كما عاشوا من قبلُ.
المصدر: “الميادين نت”