أمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى حيث الحقيقة تتجلّى
بقلم: الشّيخ حسين أحمد سليم آل الحاج يونس (الواصل الأمين)
كاتب وفنّان عربي من بلاد الأرز لبنان
محافظة بعلبك الهرمل, البقاع الشّمالي، مدينة الشمس, بعلبك, قرية حدث بعلبك، جمهوريّة النّبي رشادي.
وأنا أبحر هيامًا وتفكّرًا في البعد الكونيّ الأخر، في الرّحاب الممتدّة الإتّساع، أترقّى عروجًا في حزم سيّالاتي الرّوحيّة، عبر الدّرجات النّورانيّة الشّعشعانيّة، لأمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، التي أسّسها ورفع بنيانها الفلسفي الكونيّ، الدّكتور يوسف الدّبّاك جعجع، إبن بلدة برقا البقايّة، القائمة إطمئنانًا، غربي مدينة الشّمس بعلبك… بعلبك التي أعطت الشّمس هويّتها، فغدت الشّمس بعلبكيّة الهويّة، وغدت بعلبك أمبراطوريّة مدينة الشّمس، تفخر وتعتزّ بعباقرتها عبر التّاريخ، المغيّبون زورًا وبهتانًا، من الذين يمارسون ثقافة الجهل، عن سابق تصوّرٍ وتصميم…
أتفكر عميقا في لغز الحقيقة, حقيقة البعد الآخر لأمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، التي ابتكر معالم حدودها الكونيّة الكبرى، فيلسوف وطن الأرز، الدّكتور يوسف الدّبّاك جعجع… وأبحر طويلا في أبعاد مضامينها, يحملني التّخاطر في البعد خياليّا لريادة كنهها, وأمتطي صهوة الأثير في ثنايا الرّؤى لسبر أغوار ماهيّتها, وأعتلي فعل الفلسفة في معالم الوعي الباطني لكشف النّقاب عن مطاويها…
أتساءل من منظوري الخاصّ؟! أوازن بين لغة القلب ولغة العقل؟! أقلبن العقل وأعقلن القلب؟! أزاوج بين مفاهيم الفكر ومشاعر العاطفة, أرسم الشّكّ إيجابَا وسلبَا في كلّ المعطيات, وعبر كلّ المسارات في كلّ الدّروب, أشكّل التّساؤلات في كلّ الإتّجاهات؟!…
هل الحقيقة لإمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، معقّدة جدّا إلى حدّ الإعجاز؟!… وهل الحقيقة على العكس بسيطة جدّا إلى حدّ البراءة؟!… وهل من الممكن عقلا ومنطقا التّوفيق بين الحقيقة المعقّدة والحقيقة البسيطة, بحقيقة أقلّ تعقيدا وأرفع مستوى من البساطة, تنطوي على كلّ معالم الوضوح وجميع إشارات الفهم وصور رؤى العقل؟!… وهل القلب الملهم هو القلب المحبّ فعلا وهو مقرّ الحقيقة؟!… وهل العقل هو مركبة الوصول الفعليّة إلى الحقيقة؟!… وكيف ينظر الوجدات الإنساني إلى الحقيقة؟!… وكيف يتعامل الضّمير البشريّ مع الحقيقة؟!… وهل للنّفس دورها الفاعل في الحقيقة؟!…
المعرفة هي المسارات الأقوم للعقل المتدبّر, وبقدر ما يعرف صاحب العقل ويفهم ويتفهّم, يمكن له أن يتمثّل الحكمة في البحث عن الحقيقة ووعيها, فالحقيقة تقبع في صفاء كلّ نفس منّا, وتتجسّد فيما يساور كلّ تفكير فينا, وهي تشعّ مشرقة ببهاء وهناء في قلوبنا من حيث لا ندري… فالحقيقة ليست محتكرة لأحد, وهي مباحة للجميع وفي متناول كلّ شخص بصير, وقائمة في كلّ شخص متفتّح البصيرة…
الحقيقة حول أمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، من وجهة نظري التّفكيريّة, لا يمكن تصنيفها في الشّرائح المعقّدة أبدا, فالتّعقيد ليس من صلب الحقيقة, ومن زاوية الوعي الباطني المتيقّظ دائما في ضمير الإنسان ووجدانه, ليست الحقيقة دفينة في الكوامن النّفسيّة العميقة, والتّعقيد هو من نتاج الأفكار المتناقضة حولها, والتي تراءت لها أنّ الحقيقة من العناصر المادّيّة, فعملت على التّوغّل في الواقع الملموس, ممّا حملها للتّباعد عنها, أو ربّما ظنّتها بعض الأفكار أنّها سرابا يتراءى لها في البعد, وكلّما ظنّت الإقتراب منها تاهت عنها, وهناك من إعتقدها شيئا ملموسا كما الأشياء المحيطة, ففتّش عنها بين الموجودات فلم يجد لها أثرا…
رؤى التّنظير الكثيف, وتراكم الآراء المختلفة, وتكديس الأفكار الإجتهاديّة, وإحتشاد النّظريّات الكثيرة, والتّهافت الفلسفي على التّنقيب في كنه الحقيقة, حالات خلقت غشاوات ضبابيّة من التّعقيد, عبر حقب الأزمان, وتفاعلت جميعها مع بعضها البعض على فترات معيّنة, وباتت بمثابة العثرات المانعة من سلوك الطّريق الموصل لإيجاد الحقيقة, فأصبح الذي تحدّثه نفسه بها, أو يتراءى لخياله طيفها, أو يتخاطر بشفافيّتها, أو يتفكّر في مضامينها, أو من عزم السّلوك نحوها, أو همّ بالبحث عنها, إضافة إلى ما يثقل فكره ممّا يحمله من مفاهيم مختلفة بصددها, ملزم من حيث لا يدري أن يجتاز طريقا وعرا, ومسارا شائكا في سبيل الوصول إليها, أو تحقيق ولوج آفاقها الواسعة, أو ريادة عوالمها الممتدّة…
عمليّة التّشابك بين الواقع والحقيقة, وفعل التّمازج بين العاطفة والفكر, وحركة التّداخل بين العقل والقلب, عند الكثير من أصحاب الأفكار المختلفة, سبّبت حالة مشوّشة من إختلاط الأمور على أصحابها… بحيث يتراءى بما لا يقبل الجدل, وكأنّ كلاّ من تلك الأفكار المتعدّدة والمتنوّعة, قد شقّ طريقا خاصّا لذاته, واضعا نصب عينيه التّوجّه نحو الحقيقة… فباتت الطّرق كثيرة, تضيع بسالكها, والدّروب متعدّدة, تأخذ بمن يرود شعابها للضّياع, والمسارات متنوّعة, يحتار من يقتحمها, وجميعها متداخلة في بعضها البعض كالمتاهات, متشعّبة متفرّعة وفقا لميول أصحابها, ويغشاها غبار البحث والتّنقيب, الذي يفصل بينها وبين الباحث الحرّ ويمنعه من الوصول إلى تحقيق مراده, والقبض على الحقيقة…
اللاتفكّر المنطقي المركّز في كنه الأشياء, اللارؤية الواضحة للأمور من زاوية البصيرة, وعدم التّعمّق الكافي في بحار المعرفة, وصرف النّفس عن فعل إيقاظ الوعي الباطني, الهاجع في كوامن الجوارح والدّواخل الأعماق, كلّها حالات تصبّ في مسألة تعقيد طريق الحقيقة… فمن يعتمد السّير على أثر أقدام الغير, يصل إلى نفس نقطة وصول الآخرين, ويتوقّف عندها حيث توقّف من سبقوه في المسار, هذا إذا لم يتوقّف ما قبل أو حتّى ما بعد… فإذا ما إلتقى السّائر في مسارات الحقيقة بآثار أقدام أخرى, إلى جانب آثار أقدامه التي يتركها في نفس الإتّجاه, حتّى تزداد الطّريق نحو الحقيقة تعقيدا على كلّ من يأتي بعده مستطلعا أو باحثا, بحيث أضحت كلّ الآثار في هذا المجال تخبّطا على غير هدى في مستنقعات الوحول… وهذه هي حال كلّ من يريد البحث عن الحقيقة, وهو يحمل مفهوما مسبقا عنها, او يتراءى له تصوّرا سابقا لماهيتها…
الحقيقة لأمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، هي الجوهرة النّادرة التي تسكن في أفئدتنا, وتقيم في وجداننا, وتسكن في عقولنا, وتعمر بها صدورنا, وتفعم بها قلوبنا, وتهتزّ لها أرواحنا… ولكن تغشاها شوائب نفوسنا الأمّارة بكلّ الأشياء السّوء, والتي تكاثفت عبر مرور الزّمن, وخلقت حجابا مانعا بيننا وبينها…
أعود على أدراجي من جديد, أتفكر بالحقيقة حول أمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، ومعالم حدودها الكونيّة الكبرى، كما هي شفيفة أثيريّة, مهما صغر حجمها أو كبر, ومهما تسلسلت في سياق حقائق متدرّجة, ومهما توسّعت في إمتدادات الطّبيعة, ومهما تمدّدت في إتّساعات الفضاء… يستحيل على الإنسان بلوغها بواسطة الّتفكير المادّي المحدود, ولا يمكن لأيّ كان الوصول إليها عن طريق منظومات المعادلات في العلوم… فالتّوصّل إلى مضامين الحقيقة لا يتمّ إلاّ باعتماد معادلات المنطق الحياتي, ونحن بكامل وعينا الباطني, نتمتّع بصفاء النّيّة التّام, وصدق الطّويّة الشّفيف, ونقاء السّريرة النّاصع…
في الرّؤى الشّفيفة السّيّالات, تستحثّنا أمنية نستشعرها, وتحاكينا تخاطرا في البعد الآخر, وتنادينا غاية واحدة من خلف الحجب, هي الإغراق في محبّة البحث الصّادق, من أجل هدف أسمى واحد, يلتمع لألاءًا في البعد الممتدّ, هو العمل الجادّ لإكتشاف الحقيقة حول أمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، ومعالم حدودها الكونيّة الكبرى… وبذلك نؤكّد على براءة نفوسنا في طلبها, فتجذبنا الحقيقة إلى براءتها, فنتفاعل معها بإيجابيّة واسعة وفهم بديهي, فالحقيقة هي الحقيقة المجرّدة وليست مادّيّة… الحقيقة هي واحدة لا تتغيّر, وإن تنوّعت أرديتها أو إختلفت أوشحتها… الوعي الشّفيف للحقيقة هو الذي يختلف في أذهان البشر, وهو الذي يتباين في وجدان الإنسان, على ذمّة واقع المكان والزّمان, ووفق مسارات رؤى مستويات مجمل المفاهيم العامّة والخاصّة على السّواء…
ويبقى للوعي الباطني، والعرفان الذّاتي، والتّفكّر الفلسفي، بعظمة أمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، ومعالم حدودها اللامحدودة، تبقى تتجلّى عظمتها بعظمة الله الخالق لها، وتتراءى وحدتها بوحدانيّة الخالق الله… أمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى، التي أوجدها الله لمخلوقاته، لترتقي في رحاب مستوياتها وفق الإستحقاقات العادلة، حيث تتقمّص السّيّالات النّفسيّة أوشحتها مرارًا وتكرارًا، لتتنزّه وتتشافف وتعود للإندماج الأثيريّ في الرّوح الكلّيّة المُقدّسة، تحقيقًا قدريّا إلهيّا كونيّا لا حدود له، يتجلّى في أمبراطوريّة الإنسان الكونيّة الكبرى…