مقالات

التضخم وأسعار الفائدة والعملات الرقمية وقاعدة الذهب؟

الكاتب: د. حيان سلمان

تتعرض أسواق  العالم المالية وخاصة الغربية منها حاليا لاضطرابات كبيرة، سواء من ناحية وارتفاع معدلات التضخم والاسعار وأسعار صرف، ولذلك لجأ البنك الفيدرالي الأمريكي لزيادة سعر الفائدة، وتأثر بذلك أيضا أسعار العملات الرقمية المشفرة مثل عملة (بيتكوين ومشتقاتها ومثيلاتها والتي يزيد عددها عن /1300/ عملة) ويتساءل الكثير من الاقتصاديين العالميين هل سنشهد قريبا المزيد من الانهيارات النقدية مما يمهدّ لظهور نظام نقدي جديد!، ولا سيما أن تبريرات الدول الغربية بأن هذه الازمة مصدرها الحرب الروسية الأوكرانية فقط ورغم تداعياتها الاقتصادية السلبية الكبيرة لكنها لم تعد مقنعة لتبرير ذلك، بل السبب يكمن في الاختلالات الهيكلية والبنيوية لاقتصاديات الرأسمالية والليبرالية المتوحشة ولا سيما من ناحية التوجهات للسيطرة على الاقتصاد العالمي من خلال منظومة مالية تعتمد على تفضيل الاقتصاد (التوريقي المالي) للعملات على حساب الاقتصاد (الإنتاجي) للسلع والخدمات  أي سيطرة الاقتصاد المالي على الإنتاجي.

ومعروف أن الإنتاج هو أساس وبداية الدورة الاقتصادية ومن هو قوي إنتاجيا فهو قوي تسويقيا وماليا، وهذا يفسر زيادة سعر صرف الروبل الروسي وتوجه الكثير من الدول للابتعاد عن الدولار والاعتماد على مبادلة السلع وفقا لنظام المقايضة والتبادل بالعملات المحلية، وهذا يذكرنا بقول عالم  الاقتصاد الأمريكي (جون كينيث غال بريث) الذي توفى سنة /2006/ حيث قال: [لطالما أرقّت النقود الناس بصورة او بأخرى  فهي إما متوفرة لكنها غير مأمونة العواقب أو محلّ ثقة لكنها شديدة الندرة]، ولا نستبعد العودة إلى (قاعدة الذهب) التي كانت سائدة سابقا واستمرت حتى سنة /1931/، وقد تأكد للعالم أن الدولار لم يعد عملة مأمونة وملاذ آمن وهو غير مغطى بالذهب او بالإنتاج، ولم يعد مقبولا الاستمرار التعامل بها كما كان منذ مؤتمر (بريتون وودز) في أمريكا سنة /1944/،  وعندها  تعهدت أمريكا باستبدال أي دولار أمريكي  بما يعادله ذهبا وعلى أساس سعر الاونصة وزن /31/ غرام بما يعادل /35/ دولار ونتج عن هذا ( الدولار الذهبي)  أي أن قيمة غرام الذهب تعادل تقريبا /1،13/ دولار !

ولكن بعد المشاكل الاقتصادية الامريكية في بداية سبعينات القرن الماضي والتكاليف الكبيرة لحرب فيتنام ورغبة الرئيس الفرنسي الأسبق (شارل ديغول) استبدال كل الدولارات الامريكية في البنوك الفرنسية بالذهب من البنوك الأمريكية وحسب تعهد الإدارة الامريكية في مؤتمر بريتون وودز، فقد جاء الموقف الأمريكي الرافض والتنصل من التعهدات لأن هذا سيؤدي إلى  تراجع الاحتياطي الذهبي الأمريكي وأصدر الرئيس الأمريكي (نيكسون) في ذاك الوقت  قرارا أبطل بموجبه استبدال الدولار بالذهب أي إلغاء (الدولار الذهبي) وأطلق على ذلك من قبل خبراء الاقتصاد العالميين (صدمة نيكسون)، وكانت هذه اكبر عملية تضليل واختراق نقدي في العالم ومن وقتها، بدأت عملية تعويم الدولار أي أن سعره يتحدد حسب قوى للعرض والطلب وبدأت ماكينات الطباعة الامريكية تطبع الدولارات بدون رقيب وحسيب، ولكن الآن ومع تغير موازين القوة الاقتصادية وخاصة الإنتاجية وكذلك العسكرية ولم تعد أمريكا وأوروبا قادرين على فرض رغباتهما على السوق النقدية العالمية، فقد وجدت السياسة النقدية الامريكية  نفسها في أزمة كبيرة فاضطرت إلى زيادة (سعر الفائدة) خلال هذا الشهر بنسبة /0،75%/ وستزداد مستقبلا  لسحب السيولة الدولارية من السوق لتقليل معدل التضخم الذي تجاوز /8%/ ولم تشهده الأسواق الامريكية منذ /40/ سنة، وسيترتب على هذا  تداعيات اقتصادية كبيرة تؤثر على الاقتصاد العالمي بأكمله ومنها على سبيل المثال وليس الحصر [زيادة تكاليف الاقتراض وتراجع القوة الشرائية للأفراد  والشركات و الدخول في الركود التضخمي الاقتصادي وتراجع معدل النمو والاقراض والاستثمار والمخاطر التمويلية والائتمانية والمبيعات الداخلية والتجارة العالمية.

كما  سنشهد زيادة  في معدلات  التضخم والبطالة وأسعار الفائدة وأسعار الذهب وحالات الإفلاس وحالات عدم اليقين …الخ] وستكون هذه التداعيات أشد من تداعيات أزمة سنة /2008/، ومن جهة أخرى يمكن القول أنه لن تنجو من هذه الفوضى المالية  العملات الإلكترونية المشفرة أيضا  مثل (البتكوين و دوج كوين ولونا  وكار دانو والايثريوم) والتي شهدت ارتفاعا في قيمتها سنة /2021/ وبدأت تتراجع قيمها في سنة /2022/،  فمثلا تراجعت قيمة بيتكوين وفقدت عملة (لونا) نسبة /97%/ وانهار سعرها من /116/ دولار إلى أقل من دولار واحد  خلال شهر نيسان سنة /2022/ وفقدت اكثر من /15/ مليار دولار، ورغم كل المحاولات في إجراء تبادل هذه العملات بين بعضها البعض لكن لم ينقذها هذا من الانهيار الشامل، بل تأثرت كلها برفع أسعار الفائدة الامريكية، ومما سبق يتبين لنا أن الاستثمارات  بدأت تتوجه نحو الأصول الثابتة أو في حسابات التوفير وهذا لمصلحة الاقتصاديات الناشئة مثل (الصين والهند والبرازيل وروسيا) وغيرها، وهذا يمهدّ لولادة نظام مالي جديد بعيد عن الدولار والعملات المشفرة ونظام سويفت، وقد تعود قاعدة الذهب أو عملة دولية ما محايدة أي لا تستطيع أي دولة ان تتصرف بها وأن يكون بنكها المركزي هو المتحكم والموجه لها كما هو حال الدولار هذا ما نتوقعه وقريبا!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى