دول عدم الانحياز ورقصة السالسا الكولومبية؟!
كتب حيان سلمان
ترتسم معالم ولادة نظام عالمي جديد حاليا مما يجري من تغيرات كبيرة على الساحة العالمية ومعالمها بدأت من سورية، فبعد فشل حلف الناتو وخاصة الولايات المتحدة الامريكية في أوكرانيا وبعد اعلان الكثير من دول العالم وخاصة دول مجموعة (عدم الانحياز) برفضها للإملاءات الامريكية ضد روسيا سواء في اسيا أم أفريقيا وامريكا اللاتينية وغيرها، وجاءت الانتكاسة الامريكية الاخرى من حديقتها الخلفية من امريكا اللاتينية وتحديدا من (جمهورية كولومبيا) وتجلت في فوز مرشح اليسار غوستاف بترو في الانتخابات الرئاسية وهو من عائلة فقيرة ويسارية هاجرت من الريف الفقير الى العاصمة (بوغوتا) ومن مواليد سنة /1960/ وهزم المليونير رودولف اير نانديز المعروف بولائه للسياسة الامريكية، وهذا لم يحصل منذ /200/ سنة وهو من المتأثرين بأفكار غيفارا وسلفادور اللندي كاسترو وشافيز.
حيث كانت تسيطر على كولومبيا الاحزاب اليمينية المحسوبة على الطغمة المالية وهي مدعومة من قبل الادارات الغربية وخاصة الامريكية، ومعروف عنه محاربته للفساد ودعوته للتمسك باستقلالية القرار السياسي والاقتصادي الكولومبي، وعبرت اغلب دول العالم ولاسيما دول امريكا اللاتينية (الجنوبية والوسطى) عن سعادتها بفوز السيد بترو، وبدت الهواجس الامريكية واضحة لعدة اسباب ومن اهمها نذكر على سبيل المثال وليس الحصر: اهمية الموقع الجغرافي وبالتالي الجيوسياسي لكولومبيا البالغ عدد سكانه اكثر من /50/ مليون ومساحتها بحدود /1،142/ مليون كم2 وهي من اكبر دول امريكا اللاتينية وسيكون لدورها المستقبلي الاشعاعي تأثير كبير وسط محيطها الجغرافي، حيث يحدها (فنزويلا والبرازيل) شرقا و(المحيط الهادي) غربا و(الاكوادور والبيرو) جنوبا وشمالا البحر الكاريبي، كما ستتعرض القواعد العسكرية الامريكية السبعة لإعادة النظر من ناحية استمرارها ودورها وتدخلها في شؤون ليس فقط كولومبيا وانما دول امريكا اللاتينية ودعمها لتجارة وتجار المخدرات والتي كانت تقوم بتصفية الكثير من الشخصيات اليسارية وإثارة المشاكل الاقتصادية والسياسية في الدول المناوئة للسياسة الامريكية.
وستنضم كولومبيا إلى شقيقاتها المتمردة على السياسة الامريكية وخاصة [كوبا وفنزويلا والارجنتين وبوليفيا والاكوادور وسابقا البرازيل] وغيرها، وتقع كولومبيا مباشرة على المحيط الهادي والبحر الكاريبي، وقد صرح الرئيس الجديد في أول تصريحاته بفتح الحدود مع (فنزويلا) التي تعاني من حصار أمريكي خانق، فهل تجاوزت دول امريكا اللاتينية عتبة الذل الامريكي وكما يقول المثل الامريكي اللاتيني (الأمر المؤكد الوحيد أطول مسافة في السفرة هو اجتياز العتبة) وأمريكا تسرق ثروات شعوب العالم كما تسرق الان الثروات السورية ستتخلص أمريكا اللاتينية من الهيمنة الامريكية وتتحرر دولها كما سيحصل في سورية قريبا كما قال السيد الرئيس بشار الأسد بأننا [نلجأ إلى تحرير تلك المناطق بالقوة وعلى الأمريكيين أن يغادروا وسيغادرون بشكل ما] وولادة نظام عالمي جديد يعني تجاوز الفظائع التي ارتكبتها أمريكا وخاصة في دول عدم الانحياز وبشكل أخص في اسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية كما قال نيلسون مانديلا (ذا كان هناك بلد ارتكب فظائع لا توصف في العالم فهو الولايات المتحدة الأمريكية).
وأمام الهيمنة الامريكية ربط الاقتصاد الكولومبي بتبعية مطلقة للاقتصاد الامريكي وبما يخدم المصلحة الامريكية متجاهلا المصلحة الكولومبية، ولا سيما ان كولومبيا تمتلك مزايا نسبية يمكن تحويلها إلى مزايا تنافسية مثل (الثروات الطبيعية من النفط والذهب والنيكل واقتصاد زراعي من فواكه وموز و فول الصويا والبن وقصب السكر وصناعة البترو كيمياويات والزيوت الطبيعية والطاقة الكهربائية وقطاع سياحي حيث تعتبر من اكثر /17/ دولة في العالم من ناحية تنوع الكائنات الحية إضافة إلى السياحة الصحراوية في صحاريها الستة، كما وعد الرئيس المنتخب بتحقيق الكثير من الاصلاحات السياسية والاقتصادية للشعب الكولومبي ومنها الاستغلال الامثل للموارد المتاحة وزيادة قيمة الناتج المحلي الاجمالي وبالتالي متوسط دخل الفرد وخاصة مع توجهه لمحاربة الطغمة المالية (الأوليجارشية الكولومبية) وتخفيف الفروقات الطبقية وتحقيق التوازن الاجتماعي وتشجيع التعليم من خلال الغاء الرسوم على الدراسة.
ومعروف عن السيد بترو حنكته السياسية وخبرته الاقتصادية وتمرده على السياسة الامريكية عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ ورئيسا لبلدية العاصمة (بوغوتا)، فهل يعتبر هذا الانتصار تمهيدا لعودة اليسار بزعامة (لولا دي سيلفا) إلى رئاسة البرازيل وهي اكبر دول امريكا اللاتينية وعضو في مجموعة (البر يكس)!، وبشكل عام أن كل ما يجري في مجموعة دول عدم الانحياز من أمريكا اللاتينية وأسيا وافريقيا وغيرها يدعم سرعة ولادة نظام عالمي بقيادة (روسية صينية) وعندها يتم التناغم بين مصالح الشعوب بين بعضها البعض وعلى مبدأ (رابح – رابح) وبأجواء بعيدة عن الاستغلال بل بأجواء مريحة وعلى أنغام رقصة (السالسا) الكولومبية.