مقالات

التأسيس الثالث للعلاقات الأميركية السعودية

الكاتب: محمد المِنشاوي

يضع المسؤولون الأميركيون والسعوديون حاليا قاعدة التأسيس الثالث لعلاقات الدولتين ترتكز على مبدأ المصالح المتبادلة، وهو ما لم يكن متوفرا في التأسيسين الأول والثاني للعلاقات بينهما.

التأسيس الأول جاء على يد مؤسس الدولة السعودية الحالية الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945، وقام على معادلة تحالف إستراتيجي بين الدولتين أساسها “النفط مقابل الحماية”.

وظل التأسيس الأول حاكما لعلاقات الدولتين حتى وصول دونالد ترامب إلى الحكم 2017، وتزامن ذلك مع بداية رحلة صعود ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، وانتقلت علاقات الدولتين إلى مرحلة تأسيس ثانية ملامحها علاقات خاصة تعتمد على الكيمياء الشخصية بين الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر مع ولي العهد السعودي.

استمر التأسيس الأول لعقود طويلة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وصمدت إستراتيجية العلاقات بين واشنطن والرياض في وجه تحديات كبرى، منها الحرب الباردة، ونمو التيار القومي العربي، وظهور حركات الإسلام السياسي، ونجاح الثورة الاسلامية في إيران، وانهيار منظومة الأمن القومي العرب، وصعود وهبوط دراماتيكي في أسعار النفط والطاقة، وظهور خطر الإرهاب الذي تمثل بظهور السعودي أسامة بن لادن وصولا إلى أحداث 11 سبتمبر/أيلول.

ومع استمرار التأسيس الأول لما يقارب 70 عاما لم يستمر التأسيس الثاني سوى 4 سنوات مثلت فترة حكم الرئيس ترامب وانتهت بهزيمته الانتخابية ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2021، وبعد رحيل ترامب لم تعد علاقات الدولتين خاضعة لأي من مبادئ التأسيس الأول ولا الثاني.

وجددت أنباء قيام الرئيس جو بايدن بزيارة السعودية في يوليو/تموز القادم الجدل داخل العاصمة الأميركية حول علاقاتها شديدة التعقيد مع المملكة الغنية بالنفط والحاضنة لأقدس مقدسات 1.8 مليار مسلم ومسلمة حول العالم.

وأظهرت تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا حدود القدرات الأميركية، خاصة في ما يتعلق بسيطرتها المحدودة على أسواق الطاقة العالمية، ودفع ذلك إلى أن تتغلب مدرسة البراغماتية داخل أروقة إدارة بايدن على أنصار المبادئ والقيم.

ويقود بريت ماكغورك واقعية إدارة بايدن وسياساتها تجاه ملفات الشرق الأوسط من منصبه كمدير للشرق الأوسط داخل مجلس الأمن القومي المعاون للرئيس الأميركي.

ويتمتع ماكغورك بنهج عملي براغماتي لا يكترث بالحريات والديمقراطية والحقوق إلا عند الحديث عن أعداء واشنطن مثل إيران أو حماس، وأحيانا السلطة الفلسطينية وتركيا.

ومنذ أن أصبح التضخم أولوية سياسية قصوى لبايدن والحزب الديمقراطي -حيث بلغ متوسط أسعار البنزين أكثر من 5 دولارات للغالون الواحد، وهو رقم قياسي لم يدفعه الشعب الأميركي من قبل- دفع ذلك إلى مزيد من الضغوط على الرئيس الأميركي لإظهار أنه يبذل كل ما في وسعه لمحاولة خفض الأسعار، خاصة أن هناك شبح انتخابات الكونغرس يلوح في الأفق قبل موعدة في بداية نوفمبر/تشرين الثاني القادم، والتي يتوقع أن يواجه فيها حزب بايدن هزيمة ثقيلة.

ولا تزال المملكة العربية السعودية ثاني أكبر دولة منتجة للنفط على كوكب الأرض ولاعبا رئيسيا في الاقتصاد العالمي، وزاد من أهميتها الكبيرة اندلاع الحرب في أوكرانيا وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار الطاقة.

وتتردد إدارة بايدن في ربط الزيارة بالرغبة الملحة في خفض أسعار النفط، وقال بايدن “إن الزيارة ستكون أكثر من مجرد حديث عن إمدادات نفطية”.

وتضغط الإدارة الأميركية على السعودية بعدما وقعت دولتا الإمارات العربية المتحدة والبحرين على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، وتؤمن بأن العلاقات المتنامية بين إسرائيل ودول الخليج تمثل ثقلا موازنا قويا لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وأن عملية التطبيع الجارية على قدم وساق لن تذهب إلى أبعد من ذلك دون انضمام المملكة العربية السعودية إليها.

وتحصل الولايات المتحدة على الكثير من الفوائد من شراكاتها مع السعودية، وتعمل واشنطن مع الرياض لضمان تدفق موارد الطاقة إلى الأسواق العالمية وربما خفض أسعارها.

وتشير خبرة العقود الثمانية السابقة إلى أن الهزات العنيفة والأزمات الخطيرة التي واجهتها علاقات واشنطن بالرياض لم ينتج عنها توتر مادي ملموس في العلاقات بينهما من ناحية، ومن ناحية أخرى لم ترتبط الأزمات أو إدارتها بشخصية ملك سعودي أو تفضيلات رئيس أميركي، ولم يؤثر موت ملك في الرياض أو انتخاب رئيس جديد في واشنطن على استقرار هذه العلاقات.

في النهاية، ستضع زيارة بايدن للسعودية قواعد التأسيس الثالث لعلاقات الرياض وواشنطن القائمة على معادلة المصالح المشتركة والمتبادلة للطرفين: الولايات المتحدة كونها القوة العظمى في عالم اليوم، والمملكة السعودية باعتبارها قوة إقليمية لها ثقل كبير روحيا وماديا، وستكون هذه العلاقات أبعد ما تكون عن أشكال الشراكات الإستراتيجية أو التحالفات المتينة.

وبالطبع، يتأثر سياق العلاقات السعودية الأميركية بسياقها الإقليمي، ولا يمكن تجنب جهود الضغط التي تقوم بها إدارة بايدن سعيا للضغط على الرياض للإسراع نحو قطار التطبيع الخليجي مع إسرائيل.

*محمد المِنشاوي – كاتب ومحلل سياسي مقيم بواشنطن ومتخصص في الشؤون الأميركية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى