الوصفة الأمريكية لفوضى الديمقراطية.
*خاص*Bawwababaalbeck .
كتب خالد المقداد .
يعد موضوع تعدد الأحزاب من أكثر المواضيع التي تعكس درجة النشاط السياسي في دولة ما، في وقت ما فيها.. وقد استعملت الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين هذا الموضوع كأحد المعايير الأساسية لتصنيف الأنظمة السياسية إلى ديمقراطية وغير ديمقراطية، وبناء على ذلك فإننا نتساءل؛ هل يعني تعدد الأحزاب أنه كلما ازداد عدد الأحزاب السياسية في دولة ما ازدادت معها درجة الديمقراطية في هذه الدولة؟ وبالعكس كلما قل عدد الأحزاب، كلما انتفت أو غابت الديمقراطية عن السلطة؟
بالعودة إلى عام 1788 تاريخ انتخاب جورج واشنطن بالإجماع كأول رئيس وفق الدستور الأمريكي الفيدرالي انقسم الإجماع السياسي إلى مجموعتين، الأولى دعمت حكومة قوية قادها ألكسندر هاملتون وأطلقت على نفسها اسم “الفيدراليون”، والثانية، قادها توماس جيفرسون، وكانت تدعم حكومة معتدلة قائمة على درجة من اللامركزية تعطي سلطة أكبر للولايات. وأطلقت على نفسها اسم “الديمقراطيين _ الجمهوريين”.
وقد برز هذا الانقسام جليا في عام 1796
حيث ظهرت هاتان المجموعتان كحزبين سياسيين لكل منهما برنامجه الخاص المعارض للحزب الآخر، حيث دعم الفيدراليون، حكومة قوية وسيادة قومية، وتفسير مرن للدستور لمنح اختصاصات واسعة للكونجرس، والوقوف إلى جانب انكلترا في حربها مع فرنسا، وتأسيس جيش تحت سيطرة الحكومة القومية.
أما الديمقراطيون _ الجمهوريون “الحزب الثاني”، فقد دعموا حقوق الولايات وحكوماتها المحلية، والتحديد الدقيق لصلاحيات الكونجرس، ودعم فرنسا بوصفها حاملة لواء الديمقراطية، ودعم جيوش محلية للولايات.
ولأن هذان الحزبين كانا يضمان فئات لها وجهات نظر سياسية واقتصادية متباينة، وكانا يمثلان قواعد طبقية مختلفة، اختفى الحزب الفيدرالي بداية، وانقسم الحزب الديمقراطي _ الجمهوري نتيجة خوضه الانتخابات الرئاسية في عام 1824 بأربعة مرشحين إلى حزبين هما، الحزب الديمقراطي بقيادة أندرو جاكسون، والحزب الجمهوري القومي بقيادة آدمز. وقد تعاقب هذان الحزبين على رئاسة الولايات المتحدة والأغلبية في مجلسي الكونجرس منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
والجدير بالذكر أنه ظهر في الولايات المتحدة منذ عام 1836 14 حزبا سياسيا لم يستطع أي منها التنافس على الرئاسة أو دخول الكونجرس الأمريكي حتى ولو بمقعد واحد.
وأحدث ظهور حزبي في الولايات المتحدة، هو حزب الخضر 2000، وحزب رالف نادر 2004.
وفي بريطانيا، انقسمت الحياة السياسية منذ أواخر القرن الثامن عشر بين حزبي الويغز “المدافعين عن حق البرلمان”، وحزب التوريس “المؤيدين لامتيازات الملك “، حيث تنافسا على الأغلبية في البرلمان للوصول إلى تشكيل الحكومة، وازدادت حدة هذه المنافسة في القرن التاسع عشر بعد أن تحول حزب التوريس إلى المحافظين، والويغز إلى الأحرار، وفي القرن العشرين استمرت المنافسة بين المحافظين والعمال، بحيث تنحصر الأغلبية البرلمانية بأحد هذين الحزبين فقط.
وإلى جانب هذان الحزبين الرئيسين في بريطانيا يوجد مجموعة من الأحزاب الصغيرة، أهما: الديمقراطيون الليبراليون، واستقلال المملكة المتحدة، والخضر، وغيرها.. وهي جميعها غير قادرة على المنافسة على الأغلبية البرلمانية.
وقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع نشر الديمقراطية في العالم، وبدأت ذلك في العراق في عام 2003، فبعد احتلالها للعراق، فتح المجال أمام تشكيل الأحزاب السياسية، وفعلا أصبح العراق يتمتع بحوالي 35 حزبا سياسيا حتى لحظة كتابة هذا المقال، وبحدود 25 حزبا ممثلا في البرلمان العراقي. وهنا لا بد لنا من القول، أن من المسلمات الأساسية عند فقهاء القانون الدستوري لوصف نظام التعددية الحزبية بأنه ثلاثة أحزاب أو أربعة على أبعد تقدير، وما بعد هذا العدد نصبح أمام تشظ حزبي، حيث أن أولى مهام الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، هي تشكيل الحكومة، وكيف لنا أن نوجد أغلبية برلمانية متجانسة من 25 حزبا سياسيا داخل البرلمان.. والملاحظ في العراق هو سرعة ولادة الأحزاب من رحم الحزب، فالحزب السياسي الواحد عند اختلاف مصالح قادته، ينقسم إلى عدد من الأحزاب ينسجم مع عدد القادة المختلفين..
وهنا لا بد لنا من القول، أن عناصر الفوضى الخلاقة عمليا، هي تعددية حزبية متشظية من جهة، ونظام برلماني من جهة أخرى.. وهذه الوصفة هي التي تبنتها الولايات المتحدة في العراق.
ولذلك فإن بعض الدعوات التي تنادي بحل حزب ما في دولة ما، أو منعه من المشاركة في الانتخابات التشريعية مدة محددة من الزمن، هي دعوات تهدف إلى تحقيق التشظي الحزبي، فمقاعد البرلمان تحصل عليها الأحزاب نتيجة برنامجها الانتخابي الذي يعكس رؤيتها للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في دولة ما في فترة ما، ومدى تأييد الشعب لهذا البرنامج، وليس دخول الأحزاب إلى البرلمان منحة أو هبة من الحزب أو الحزبين القويين في الدولة.
فالحزبان الديمقراطي والجمهوري استطاعا السيطرة على الحياة السياسية في الولايات المتحدة منذ تطبيق الدستور الفيدالي عام 1787 من خلال تبنيهما لأي أفكار جديدة يطرحها حزب حديث النشأة، فتقطع عليه طريق الكونجرس، وكذلك الحال في بريطانيا، فما قد تحصل عليه الأحزاب الأخرى من مقاعد مجلس العموم لا يتجاوز ال10 مقاعد على أحسن تقدير من المقاعد 650.
وبالمجمل نستطيع القول، أن الديمقراطية لا تعني التعددية الحزبية المتشظية، وإنما تعني فتح الباب أمام الأحزاب للتنافس على مقاعد البرلمان وفق انتخابات حرة ونزيهة، دون تنازل من الحزب الكبير عن جزء من قوته الانتخابية للأحزاب حديثة النشأة التي يجب عليها خوض النضال الانتخابي لتوجد لتنظيمها موطئ قدم في الحياة السياسية للدولة.