الإدارة الذاتية بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية٠
كتب الباحث السياسي. خالد المقداد .خاص* *Bawwababaalbeck*
في تاريخ 3 آب/ أغسطس أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوما حدد بموجبه الثامن عشر من أيلول/ سبتمبر موعدا لإجراء انتخابات الإدارة المحلية في سورية. وفي هذا الصدد من المفيد توضيح مفهوم الإدارة المحلية، وتمييزه عما قد يختلط معه من مفاهيم أخرى تندرج تحت مفهوم اللامركزية.
بداية، تنقسم سلطات الدولة وفق التنظيم الدستوري الحديث والمعاصر إلى السلطة التشريعية التي تتولى سن القوانين، وإلى السلطة التنفيذية التي تتولى وضع القوانين موضع التنفيذ الفعلي، وإلى السلطة القضائية التي تتولى فصل المنازعات بين الأفراد في المجتمع.
ومع ظهور الديمقراطية، والتي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه، كأسلوب لتولي شؤون الحكم في الدولة، ومع استحالة تطبيق الديمقراطية بصورة مباشرة وفق هذا المفهوم، ظهرت الديمقراطية النيابية، والتي تعني انتخاب الشعب لممثلين له، يتولون إدارة شؤون الحكم باسمه. وقد جرى تطبيق هذه الفكرة على السلطة التشريعية في الدولة. والتي تنبثق عنها الحكومة، وكذلك على رئيس الدولة في النظام الرئاسي.
ومع ازدياد أعباء السلطة التنفيذية في الدولة، واتساع رقعة الأخيرة، ظهرت الحاجة إلى ضرورة توزيع الأعباء التنفيذية بين الحكومة المركزية وبين مجالس محلية تتبع للأقاليمرالمختلفة، فظهر بذلك مفهوم الإدارة المحلية.
فمفهوم الإدارة المحلية يقتصر على جزء من سلطات الدولة، وهو تحديدا السلطة التنفيذية، بحيث يتم اقتطاع جزء من اختصاصات الحكومة المركزية لتتولى الأجهزة المحلية ممارستها في إطارها الإقليمي.
وبالتالي فإن الإدارة المحلية هي أسلوب من أساليب الإدارة، وليست أسلوبا من أساليب الحكم الذي يقتضي أن تمتلك الوحدات المحلية إلى جانب ممارسة السلطة التنفيذية، ممارسة السلطة التشريعية والقضائية، أي أن تمتلك اختصاص إصدار تشريعات خاصة بها، بحيث تعدل من اختصاصها دون الرجوع إلى البرلمان المركزي. وبالتالي نصبح أمام لا مركزية سياسية، أي أمام دولة فيدرالية، وليست دولة بسيطة مركزية، وهو ما يعني خطوة باتجاه تقسيم الدولة.
وبالانتقال إلى تقييم تجربة الإدارة المحلية في سورية منذ عام 1974، قد يرى البعض أن هذه التجربة لم تستطع تحقيق التنمية المرجوة منها، أو أنها أدت إلى تهميش بعض المناطق والقرى. ولذلك فإنهم يدعون إلى توسيع صلاحيات الأجهزة المحلية لتشمل الاختصاص التشريعي والقضائي، إلى جانب إيجاد تشكيلات عسكرية خاصة بهذه الأجهزة، وهو ما يخرج عن مفهوم الإدارة المحلية وفق ما وضحناه.
وفي واقع الأمر، إن ما يمكن أن يؤخذ على تجربة الإدارة المحلية في سورية بعد صدور القانون رقم 107 لعام 2011 والانتقال بموجبه إلى التشكيل الديمقراطي الكامل للمجالس المحلية، هو غياب الكوادر القيادية المعدة إعدادا جيدا لهذه المهمة، وهو ما يجب أن تتلافاه الأحزاب السياسية من خلال إيلاء الجدية الكافية لاختيار مرشحين أكفاء تخوض بهم انتخابات الإدارة المحلية، ويكونون قادرين على تولي مهامهم بكفاءة عالية، لأن هذه الوحدات على تماس مباشر مع المواطنين، وهي التي تتولى إدارة الموارد والشؤون المحلية، وكلما كانت هذه الأجهزة على درجة عالية من التأهيل والتدريب، كلما استطاعت تقديم الخدمات المحلية، حتى في ظروف الأزمات والحروب والكوارث، وبالتالي تتفرغ الحكومة لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية الكبرى.
*خاص *Bawwababaalbeck