مقالات

الانتماء بين الوطن.. وما وراء البحار.. بقلم: د.خالد المقداد

يرى د. آلان دونو في كتابه نظام التفاهة، أن ما يهم في الوقت الحاضر، وما أسماه هو، عصر التفاهة، هو تبرير انقضاء الوقت، بمعنى أنك إذا كلفت بمهمة ما، فإن تركيزك يقع على إعداد خطة محكمة لإقناع من حولك بأنك قد قمت باستثمار وقت الإنجاز على أكمل وجه، ولكن عملياً، دون نتائج حقيقية.. فيكون جهدك قد انصب على تبرير الجهد المبذول والوقت المهدور، وإقناع ذاتك بأنك قد حققت نجاحاً.. وإقناع من حولك بنجاحاتك..
السيادة هي إحدى الصفات التي يجب أن تتمتع بها السلطة في الدولة كركن من أركانها.. وقد انقسم الفقه الدستوري في تحديده لمصدر السيادة بين نظريتين أساسيتين، الأولى تعطي السيادة للأمة كوحدة واحدة ممتدة منذ الأزل إلى المستقبل، وبالتالي فالسيادة وفق هذا التصور غير قابلة للتجزئة، وهي تمارس من خلال مجلس منتخب من الطبقة البرجوازية في الدولة، وللأمانة التاريخية، فقد ابتدع هذه النظرية فقهاء الثورة الفرنسية لحرمان الطبقات الشعبية من الانتخاب.. أما الثانية، فهي تعطي السيادة للشعب، وتفترض ممارستها من قبله بصورة مباشرة أو شبه مباشرة من خلال إشراكه بالاستفتاءات والانتخابات على مختلف درجاتها، ولتصل إلى حد إعطاء الشعب حق اقتراح عزل من انتخبهم..
وفي عصرنا الحالي، وإذا ما أردنا أن نساير د. آلان في توصيفه للعصر، وآلية عمله القائمة على تبرير انعدام النتيجة، فقد نجد هذه الصفة أصبحت تنطبق على مؤسسات السيادة في دولنا العربية.. وأصبحت الجلسات المقررة لانتخاب رئيس الدولة من قبل أكثر مؤسسة دستورية احتراماً وهي البرلمان، عبارة عن شكليات مستهجنة، وتساؤلات ومشاغبات تذكرنا برواد المقاعد الأخيرة في صفوف مدارسنا الحكومية..
ولا توصف سوى بالمبررات التي تسوقها هذه المؤسسة، ومن خلفها لإقناع الشعب بانعدام الأغلبية المطلوبة لانتخاب الرئيس..
لسنا هنا بصدد تحليل العوامل والجهات التي تقف وراء انتخاب رئيس دولة السيادة والاستقلال، أو رئيس حكومة ديمقراطية الدبابات.. وإنما نحن بصدد لفت الانتباه.. انتباه الجميع، بأن الأوطان تبنى بالانتماء.. بالانتماء لها.. لا إلى لحاً هنا، أو خليفة هناك، ولا إلى حفيد ديغول.. أو سارق الوصاية..
هذا الانتماء الذي يولد طاقة الإبداع، بقصد تحقيق نهضة الأمة.. نهضة الشعب.. الانتماء الذي حول المستنقعات لناطحات سحاب.. الانتماء الذي حول النزهة إلى الخوف من مجرد التصريح المعادي.. الانتماء الذي حال دون سقوط الوطن.. الانتماء الذي جعل من شاب في بداية حياته يقف في وجه حفيد الشيطان في القدس..
الانتماء الذي لا يسمح للمسؤول أن يبرر فشله في تحقيق خطة الدولة.. الانتماء الذي لا يسمح بالتغافل عن الأعباء التي أنهكت الشعوب.. الانتماء الذي يدفعني لأعالج قضايا أمتي.. مهما كان العلاج بسيطاً.. ولكنه شافياً..
إذا اجتمع المائة نائب لانتخاب رئيس الدولة، وهم صادقون، ومنتمون لأمتهم، ولوطنهم، وهم يشعرون بالمسؤولية تجاه شعبهم، وما يعانيه من كوارث حياتية بسبب فشلهم.. فسينجحون بانتخاب الأجدر والأكفأ للأمة، وليس المرضي أكثر لصاحب العمامة.. أو لما وراء البحار..
تختتم نظرية سيادة الشعب أحكامها، بأن النائب يظل مرتبطاً بناخبه طيلة مدة ولايته في المجلس النيابي، ولا يتحلل منه، فإلى متى يبقى النواب يرتبطون بالعمامات، ويتحللون من شعوبهم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى