الديمقراطية و تقدير السياسات القومية.
بقلم د. خالد المقداد. *بوابة بعلبك *
تنص معظم الدساتير على أن الشعب هو مصدر السلطة, ويمارسها من خلال المجالس المنتخبة سواءاً أكانت برلمانية أم محلية, ومن التعريفات السائدة للديمقراطية هو حكم الشعب بالشعب وللشعب..
وهذا يعني أن هدف أي سلطة سياسية هو تحقيق مصلحة الشعب أو أهداف الشعب, والسؤال المطروح هنا; هو من الذي يحدد مصلحة الشعب؟
وفقاً لنظرية الدافع البشري التي قدمها العالم أبراهام ماسلو, تتلخص الحاجات الإنسانية بالاحتياجات الفيزيولوجية, وحاجات الأمان, والاحتياجات الاجتماعية, والحاجة للتقدير, والحاجة لتحقيق الذات.
ووفقاً لماسلو; تتدرج الحاجات حسب أهميتها في شكل هرمي, ويتكون هذا الهرم من القاعدة إلى القمة بدءاً من الاحتياجات الفسيولوجية وتشمل التنفس والطعام والماء, واحتياجات الأمان النفسي والجسدي والمجتمعي, والاحتياجات الاجتماعية كالأسرة والأصدقاء, والحاجة للتقدير من خلال تحقيق المكانة الاجتماعية واحترام الآخرين, والحاجة لتحقيق الذات من خلال تحقيق أكبر قدر ممكن من الانجازات.
ووفقاً لهذه النظرية فإذا ما أردنا أن نحدد السياسة الاستراتيجية للحكومات العربية في الدول التي عانت من أحداث العقد الدامي, فإنها سوف تتجه الى تأمين الاحتياجات الفيزيولوجية للشعب, ففي ظل الوضع الاقتصادي الضاغط لهذه الدول, يتوجب على حكوماتها تبسيط طموحاتها الاستراتيجية في التخطيط, ولا نقصد بالتبسيط هنا اللجوء الى الحلول والخطط التقليدية التي عفا عليها الزمن, وإنما نقصد تبسيط الأهداف. فعلى سبيل المثل: إذا ما أردنا أن نحدد هدفاً أولياً, وكان الخيار بين الوحدة العربية وبين تأمين الطحين للخبز اليومي, ستقضي الحكمة تأمين الطحين اليومي, ولكن هل تقضي الحكمة باللجوء الى أساليب المناقصات وطلب العروض!! قد تقتضي الحكمة اللجوء إلى المصالحة الاقتصادية والتي يذكر لنا التاريخ أمثلة كثيرة عليها..
إن الشعوب لن تقدر السياسات القومية إذا لم ينعكس عليها ذلك اقتصادياً, وإن شعوب الدول لن ترغب في تحقيق الوحدة مع الدول التي تعاني شعوبها يومياً مع كل وجبة طعام, فالشعوب لا تريد استبدال معاناتها بمعاناة غيرها, بل هي تريد إنهاء هذه المعاناة ولو كان على حساب غيرها.
أعتقد أن تبسيط الأهداف الحكومية وتحقيقها عملياً, سيؤدي إلى إعادة بناء الثقة بين بعض الفئات من الشعب التي فقدت ثقتها بالسياسات الحكومية, والتي ستؤدي بدورها إلى الدعم الشعبي لهذه السياسات.
وأخيراً لابد من القول إن الهدف الرئيس لأي قرار غربي هو تحقيق الشرذمة العربية, وإن أي قرار وطني يهدف لمواجهة هذه الشرذمة, يجب أن ينطلق من تحقيق الأمن الاقتصادي الوطني اولاً والعربي ثانياً..