مقالات

حكاية قائد

كتب علي اللقيس.
إستفاق بنا الزمان بعصر المتكالبين عداوة ، فنشأت اسماعنا على روايات فيها من الذبح والقتل والتهجير ما فيها ، فكان اليسار والمتصهين على حدٍ سواء الى أن انتهت الامور الى الصهيوني نفسه ، فتمتعت ابصارنا مشاهدةً كما اسماعنا بمشاهد طائرات تغير واصداء اجتياح بات قاب قوسين او ادنى من قضم وطنٍ قيل انهم يهزموه بفرقة موسيقية ، بدأت آنذاك الجيوب المقاوِمة تتبلور لتأخد دورها في الدفاع ، وإنطلقت الاجيال ممن سبقونا بالقيام بأنشطة تدريبية ومشاركات خجولة ، إنما كانت اعمالهم دافع رَفَعَ رغبة الناظرين في الالتحاق بهم التحقنا فمِنّا مَنْ صمد ومِنّا من تنحى ومِنّا من استدار منذ ان استشعر بالمشقة ، وبات التمييز واضحاً في وجه فتى بريئ ثابت مِقدامٍ مُتَوَثِباً عصر الطفولة والمراهقة معاً ، حتى أن الشيب طغى على سواد الشباب منذ الصِغر ، تحقيقاً لرغباته في الوثب فوق كل المراهقة ، سارت الجحافل في مسيرة الجهاد وكان ذاك الفتى المتمييز يزداد تميزاً بثبات في البرامج التدريبية ، والاعمال الريادية وبدأت ملامح القيادة تسيل من أطراف ادائه العملي وكلها مكللةٌ بتواضع يختبئ خلف ابتسامةٍ ولهجة قرويةٍ ينفرد بها في عالم التمدن ، فكان ذاك الاخ المحبوب والقائد المتواضع والحزبي المثالي في الانضباط والتمييز والسمعة الحسنة ، فلم يُذكر إسمه يوماً الا واستتبع برفع قبعاتٍ تعبيراً عن جلال ووقار ، ناهيك عن صمته تام في ما ينجزه في الميادين التي لم يتوانى يوماً عن تلبية النداء لارتيادها ، فكان السباق الى الميدان بإطمئنان ، والمتصدي للاخطار بتوكل ، ولم يكن يوماً الا حيث يجب أن يكون ، كل ذاك التمييز القيادي الذي قل نظيره والذي لم يعرضه يوماً للاضواء والمُرَآت، كان التواضع والبسمة التي لم تفارق ثغره يوماً ، وكذا البأس الذي شهدته الميادين أكثرها ، كل ذلك لم يُنسه ازقة الحي ، والرفاق ، كذلك الرِفْقَ بالوالدين اللذين حملا الطهر عنوان الفداء للنهج المقاوم ، وكانت مشاعرهما جَياشةٌ لاقتراب يوم السبت الذي كان كل الحي يعلم بقدوم الغالي قبل ان يصل وبدون تصريح من احد تكفي ” حَوّصَة ابو حسين ” . وفرحته وإشعال موقد الشواء تارةً او صراخه بسؤال عن حاجيات الترحيب وتحضير ضيافةٍ متواضعةٍ تُحاكي الحال المتواضع ، يلتم الشمل بحضور هذا الرجل المحبوب القوي بحضوره ، والمتواضع بخدماته ، فتجتمع الاحبة ويضيق المكان ترحيباً بقادم لطالما انتظرنا حضوره ، فلم يسبقه احداً بتحية او سؤال إطمأنان او دعوة لتمضية وقت ضيق لا يتسع للإشباع من جرعة حنان من والدين قضيا العمر اشتياق ، تمضي الساعات القليلة ويذهب الحبيب على امل العودة في موعدٍ آخر ، الى أنْ ختم كل لقاءات بغياب لم نتوقعه يوماً فنقطة دم متحجرةٍ سدّت شريان حياته ، في وقتٍ لم تستطيع كل موانع الدنيا ان تسد شريان جهاده الذي انعكس على كل الميادين تألقاً ، حقاً عرفنا انك غادرت يا أبا علي ورضينا بالقدر الجائر ، ولكن الذي لم نعرفه بعد ما الذي سيتركه غيابك ، نسأل الله اللطف في هذا القضاء الذي ارهقنا ساعة غادرت بلا عودة وبدون سابق إنذار .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى