نحو مستقبل عربي حقيقي …
*خاص * Bawwababaalbeck .كتب الباحث السياسي خالد المقداد .
محاضرة للبروفيسور وو تشنغ لين لخص الخبرات الصينية المتراكمة منذ عام 1921 ليومنا هذا بعشر خبرات، حيث بدأ بمسلمة وضع الشعب فوق كل اعتبار، ثم انتقل إلى التمسك بالطريقة الصينية، وختم بالتمسك بالثورة الذاتية.
وقد فضلنا ذكر هذه الخبرات الثلاث تجنباً للإطالة، واعتقاداً منا بإمكانية تطبيقها في دولنا العربية، وحصد نتائج إيجابية من ذلك.
فوضع الشعب فوق كل اعتبار، هو مسلمة في الفقه الدستوري الذي يعتبر الشعب مصدر السلطات، وهذا يعني أن السلطات تنطلق في عملها من تحقيق المصلحة العملية والحقيقية للشعب، فلا تتقيد بشكليات لا تهدف سوى لتقييد العمل، أو تصبح هدفاً بحد ذاتها.. أو تغرق الشعب بتصريحات غير مسؤولة ولا تفيده بشيء..
أما التمسك بالطريقة الصينية، فهو يعني أن تحقيق مصلحة الشعب يتم من خلال ابتكار تجربة خاصة بظروف كل دولة على حدا، فما ينطبق على الجزائر لا ينطبق على سورية، وما ينطبق في الولايات المتحدة لا يحقق فائدة في لبنان.. فأفكار الشعوب ومعتقاداتها ليست واحدة، والإيديولوجيات السائدة ليست واحدة، فالولايات المتحدة ترى ازدهارها في استغلال ثروات الشعوب والأمثلة كثيرة على ذلك من فيتنام إلى تشيكوسلوفاكيا فالعراق والخليج العربي ولبنان وسورية.. والصين ترى الازدهار بتحقيق التنمية للبشرية جمعاء بوصفها وحدة واحدة، وليس كما نظر لها الغرب كجماعات غير قادرة على إدارة شؤونها ولا بد من استعمارها انتداباً ووصاية..
ولا يعني حديثي هذا اختيار هذه التجربة أم تلك، بل يعني أن نبتكر تجربتنا الخاصة بكل دولة عربية، وربط التجارب مع بعضها، بحيث تتحقق التنمية العربية المشتركة.. فإذا كانت الشراكة مع الاتحاد الأوربي تتطلب قلع أشجار الحمضيات المعمرة لأن انتاجها لا يسوق في الاتحاد، فالحكمة تقتضي تسويق المنتج في دول أخرى، وإذا كان تحويل الاقتصاد من إنتاجي حقيقي إلى ريعي فالحكمة تقتضتي محاكمة ومحاسبة من يعمل على ذلك.. وإذا كان إلغاء الدعم وتحرير العملة والأسعار طلباً من صندوق النقد الدولي للحصول على قرض معين، فالحق يفرض استخراج الثروات الباطنية واستثمارها والدفاع عنها..
والخبرة الصينية الأخيرة هي التمسك بالثورة الذاتية، فإذا لم نمتلك الجرأة على تقييم التجربة والشجاعة على الإشارة إلى مواطن الخلل، وتحديد الثغرات والفجوات، ومحاسبة المقصرين والفاسدين، فإن التطور الطبيعي للمجتمعات سوف يؤدي إلى اجتثاث التجربة من جذورها. وسيؤدي إلى فقدان القدرة على القيادة المؤثرة التي تهدف إلى تحقيق مصلحة الشعب من خلال وضع الشعب فوق كل اعتبار، بل ستبقى المجتمعات العربية مسرحاً لمخططات الدول الأخرى، وستبقى عرضة للخروقات التي تشتت جهود التنمية..
هذه الخبرات الصينية الثلاث تقتضي منا جميعاً، شعوباً عربية ودولاً أن نتبنى سياسة الابتكار، فما صلح للأمس لن يصلح لليوم، وبالمؤكد لن يصلح للغد، فالطرق والأساليب القديمة عفا عنها الزمن، وإن لبست ثوب الذكي والالكتروني، وليس من المعيب تبني سياسات طموحة ومبتكرة، خاصة بنا، تتلاءم مع واقعنا، فالشعب العربي يستحق من حكوماته كل تقدير، ويستحق منها أن تعينه على إعادة بناء حضارته ومجده لتحقيق تنميته، لا أن تكون عائقاً أمامه..