مقالات

هل ستتغير سياسة فرنسا تجاه الشرق الأوسط خلال ولاية ماكرون الثانية؟

عندما تم انتخاب “إيمانويل ماكرون” رئيسًا قبل 5 سنوات، تساءل العديد من المحللين عن تأثير ذلك على سياسة فرنسا تجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

في ذلك الوقت، وجدت فرنسا نفسها على مفترق طرق، واضطرت إلى مواجهة التحول في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة خلال رئاسة “دونالد ترامب”، وتزايد الخلافات داخل مجلس التعاون الخليجي، وتدهور العلاقات بشكل متزايد مع إيران، والتوترات مع تركيا بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، وإراقة الدماء المستمرة في سوريا وليبيا واليمن، كل ذلك أثناء شن حملة عسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وبعد إعادة انتخاب “ماكرون” مؤخرًا لولاية ثانية، فإن السؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كان الرجل سيحافظ على سياسته الحالية تجاه المنطقة أو يغيرها.

السياسة السابقة

وخلال فترة ولايته الأولى، ركزت الاستراتيجية الفرنسية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على عدد من العناصر، وأثارت آراء مختلفة. وأشار بعض الكتاب إلى أن الرئيس الفرنسي يريد تحويل بلاده إلى قوة عظمى في الشرق الأوسط، وتحدث آخرون عن “عقيدة ماكرون” تجاه المنطقة.

وحتى لو كانت وجهتا النظر تبالغان في الحقيقة، فإن هناك شيء واحد واضح: تبنت فرنسا سياسة استباقية نشطة تجاه بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واحتفظت بمقعدها على الطاولة كلما اندلعت أزمة.

وقطع “ماكرون” أميالاً عديدة للسفر عبر المنطقة، وزار على سبيل المثال لبنان ودول الخليج العربي والعراق وإسرائيل والضفة الغربية. وشجبت إدارته انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018، وكانت فرنسا وألمانيا هما اللذان يعملان بجد لإيجاد حل بديل بعد أن أعادت أمريكا فرض العقوبات، حتى لا تفقد عقودًا بالمليارات في إيران، وهكذا ولدت “انستكس” (آلية لتجاوز العقوبات ومواصلة التعامل المالي مع إيران).

وبالرغم من أن هذه المبادرة لم يكن لها تأثير ملموس، إلا أن إنشائها ذاته أكد على موقف السلطات الفرنسية فيما يتعلق بإيران. وتشير المفاوضات الحالية إلى أن فرنسا لا تزال واحدة من أكثر الدول التزامًا برفع العقوبات ضد إيران.

ومنذ بداية الحرب الأهلية السورية، أدان “ماكرون” جرائم رئيس النظام “بشار الأسد”؛ وهذا ما يفسر غضبه الشديد من قرار “ترامب” سحب القوات الأمريكية من البلاد، ومع ذلك فقد انتقد تركيا على إرسال قوات للشمال السوري.

ومن بين الدول الأوروبية، قامت فرنسا بأبعد ما يمكن لدعم المعارضة السورية منذ عام 2011، ولكن دون جدوى في نهاية المطاف، حيث احتفظ “الأسد” بالسلطة. ومع ذلك، فإن هذه النتيجة المحبطة لن تثبط جهود “ماكرون” لإضعاف الزعيم السوري وتعزيز مكانة باريس في بلاد الشام.

وفيما يخص اليمن، انحاز “ماكرون” إلى جانب السعودية في قتالها ضد الحوثيين، وتواصل فرنسا تسليح السعوديين والإماراتيين. في الوقت نفسه، أعرب مرارًا عن قلقه بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن.

رؤية الفترة الثانية

وخلال فترة ولايته الثانية، سيواصل “ماكرون” بالتأكيد بناء استراتيجية فرنسا الإقليمية من خلال التعاون الوثيق مع الإمارات والسعودية. ومع ذلك، فإن الرفع النهائي للعقوبات المفروضة على إيران، وما يصاحب ذلك من تجديد للعلاقات الاقتصادية الفرنسية الإيرانية، يمكن أن يؤدي إلى احتكاكات، كما كان الحال بعد عام 2015.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن فرنسا ما تزال تدعم حل الدولتين، لكن الفلسطينيين لا ينظرون إلى “ماكرون” بشكل إيجابي بسبب دعم إسرائيل خلال حرب غزة عام 2021، وما تلا ذلك من حظر على التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في بلاده. وبالرغم من ذلك، عرض الرئيس الفرنسي التوسط في محادثات السلام. ويمكن لباريس أن تؤدي هذا الدور، ولكن فقط إذا خففت من حدة موقفها المؤيد لإسرائيل.

ومن أهم الأدلة على استمرار انحياز “ماكرون” للإسرائيليين، الانتقادات التي وجهها في فبراير/شباط 2022 لمنظمة العفو الدولية؛ بسبب تقرير عن معاملة السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين. ورفض الرئيس الفرنسي استخدام التقرير لكلمة “فصل عنصري”، وحاول جعل الإسرائيليين هم الضحايا، بينما تجاهل محنة الشعب الفلسطيني.

ويجب على السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تراعي مصالح اللاعبين الخارجيين الذين لهم تفوذ مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين. وساعدت رئاسة “جو بايدن” على تسهيل تنسيق أكبر بين واشنطن وباريس وبروكسل. واكتسب “ماكرون” سمعة طيبة في دعم التكامل الأوروبي، ويبدو أنه سيواصل السعي لتنسيق أصوات الاتحاد الأوروبي بشأن القضايا الدولية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالشرق الأوسط.

وسيحاول “ماكرون”، بشكل غير مباشر، عرقلة التوسع الصيني والروسي في الشرق الأوسط. ويبدو أن التركيز سينصب على روسيا لتقليص مساحة المناورة أمامها خارج أوروبا؛ ردًا على حربها المستمرة ضد أوكرانيا.

وبشكل عام، يبدو أن “ماكرون” سيواصل سياسته الحالية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن المرجح عدم تغيير هذه السياسة إلا إذا حدثت تطورات غير متوقعة. في الوقت نفسه، ستستثمر فرنسا المزيد لتعزيز “سياسة الجوار” التي يتبعها الاتحاد الأوروبي تجاه بلدان الشرق الأوسط. وسيبقى “الاتحاد من أجل المتوسط​​”، الذي تستعرض فيه باريس عضلاتها القيادية، المنتدى الرئيسي للتعاون.

المصدر | برزيميسلاف أوسيويتش/ معهد الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى